Q أنا امرأة متزوجة، وأعمل في مجال التدريس، وزوجي لا يسمح لي بالتصرف في راتبي، بل يأخذ منه الشيء الكثير، وقد يقترض ولا يرد القرض، وأنا لست راضية بهذا، ولا يسمح لي بأن أعطي والدي ووالدتي، ولا يسمح لي بشراء الملابس، وهو الذي يختار ما ألبسه، مع العلم أني حريصة على الملابس الشرعية، وسؤالي: هل يحق للزوج أخذ راتب زوجته؟ وجزاكم الله خيراً.
صلى الله عليه وسلم أوصي هذا الزوج وكل زوج أن يتقي الله جل جلاله، أوصي الزوج أن يتقي الله في زوجته، والزوجة أن تتقي الله في زوجها، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني أحرج حق الضعيفين: المرأة، واليتيم) قرنها باليتيم؛ لأنها إذا اشتكت قد لا تجد من تشتكي إليه إلا الله جل جلاله، ويتخلى عنها أبوها وأخوها وابنها وقرابتها، فلا تجد إلا الله: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء:45].
ظلم النساء لا خير فيه، ظلمهن بالأقوال، وظلمهن بالأفعال، وظلمهن في الحقوق لا خير فيه، ولذلك ذكر الله المرأة وهي تشتكي إليه، فأخبر أنه سمع شكواها من فوق سبع سماوات، لما جادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتكت إليه، وبثت إليه حزنها، وتقول: إلى الله أشتكي ثعلبة.
فصعدت هذه الشكوى إلى الله جل جلاله منتهى كل شكوى، ولذلك بالتجربة: قل أن تجد إنساناً يظلم أزواجه ويسيء إليهن إلا عاقبه الله جل جلاله؛ ورأيت في الدنيا عاجل ما يكون من حاله، إلا أن يتقي الله ويغير ما به.
ولذلك: ينبغي على المسلم أن يتقي الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالنساء وهو في حجة الوداع، وجعل وصية النساء في هذا اليوم المشهود العظيم، قال العلماء: لكي ينص ويبين على حقوقهن، وأنه ينبغي الوفاء بها وردها إليهن؛ لضعفهن في الغالب؛ وعجزهن عن المطالبة حتى عند الخصومة.
المرأة إذا ظلمتها أو ظلمت وأرادت أن تخاصمك أو تقف في وجهك لا تستطيع، لربما تقول الكلمة والكلمتين ويغلبها البكاء، ولربما تقول الكلمة والكلمتين فيغلبها الخوف والرهبة فاتق الله جل جلاله! أمانة في عنقك، إما إلى جنة وإما إلى نار، أحسنوا إليهن، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من ضرب النساء وقال: (ما أولئك بخياركم).
شاع عند كثير من الناس -إلا من رحم الله- في هذا الزمان التسلط على النساء، بالأذية لهن، والقهر لهن، والتضييق عليهن دون خوف من الله جل جلاله، ودون استشعار لنقمة الله العاجلة والآجلة، فالله الله! في النساء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بهن خيراً، صحيح أنهن ضعيفات وقد يكون منهن التقصير، ويكون منك كما يكون منها، ولكن الإنسان يغفر السيئة بالحسنة، ومن منا كمل؟! ولعلك ترحم هذه المسكينة فيرحمك الله جل جلاله.
ووالله لقد عهدت علماء وفضلاء وأتقياء صلحاء تنازلوا عن كثير من الحقوق للنساء؛ فوجدت أحوالهم على خير ما يكون عليه الحال، لأن من رحم يرحمه الله، ومن وسع على أقرب الناس إليه وسع الله عليه في الدنيا والآخرة.
هذه وصية مهمة: التوسيع على الأهل، وإذا دخلت إلى بيتك دخلت حليماً رحيماً رفيقاً رقيقاً، خاصة الشباب الملتزمون بدين الله، فإنهم قدوة، ولربما يكون هو وحده من بين الأخوة كلهم ملتزماً بدين الله، والبقية على فجور أو على عصيان، فينظرون إليه أنه قدوة.
فالله الله! في أذيتهن والتضييق عليهن، خاصة إذا رأيتها أمة تخاف الله جل جلاله.
احمد الله سبحانه وتعالى إذا رزقك امرأة صالحة، اقدرها قدرها، فكم من نساء يتقلبن في الفتن وأهلكن أزواجهن وضيقن عليهم في الفتنة الحرام، وهذه الولية المؤمنة الأمة الصالحة اشكر منها صلاحها، في هذا الزمان تجدها بين أربع أركان بيتها، لا تستطيع أن تخرج، لا تطالبك بخروج ولا تبرج ولا فتنة، ولا تطالبك بشيء يفتنها عن دينها؛ فاشكر منها ذلك، ولو رأيت منها زلة فليتسع صدرك، ولتكن ذلك الرجل، لأن الله فضلك بالصبر والحلم والرحمة تسعها بحنانك، وعطفك وإحسانك.
كان بعض الأخيار -أعرفه- تؤذيه زوجته، فكنت أقول له: لم تصبر؟! فقال: والله إن أباها قد أكرمني، وإنها رضيت بي زوجاً، وإني أرى فيها الخير، وقد أجللت هذه الثلاث، وأرجو من الله ألا أردها إلى بيتها يوماً من الأيام تشتكي مني أو أشتكي منها.
الوفي كريم، ولعلك أن تصبر اليوم فيخرج الله منها ذرية صالحة فاصبر! وقد ذكر عن ابن أبي زيد القيرواني، ذلك الإمام الذي قال عنه النسائي: كان ثقة، وكانوا يقولون له: مالك الأصغر في صلاحه وديانته، كانت امرأته تسبه حتى أمام طلابه وأمام خاصته، ومع ذلك يصبر.
قالوا له: لم تصبر؟! قال: إن الله سلطها علي بالذنب، وأخشى أنني لو طلقتها أبدلني الله شراً منها.
فلذلك ما رأيت منها من هذه الإساءة فبذنبك، وكن حليماً رحيماً؛ فإن الله يرحمك.
أنت قادر أن تطلق وأن تنتقم وتأخذ حقك بالقوة؛ ولكن تحلم فيحلم الله عليك، وترحم فيرحمك الله.
وصية: أن نتقي الله، وكذلك يوصي الشباب الأخيار بعضهم بعضاً بالصالحات، النساء الصالحات في هذا الزمان لهن فضل كبير، والله! إن المرأة الصالحة في هذا الزمان درة ثمينة، ينبغي أن نعينهن على الالتزام بالتوسعة عليهن والرحمة بهن والإحسان إليهن.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا لذلك، وأن يرحمنا برحمته.
والله تعالى أعلم.
أما بالنسبة للسؤال: فإن الزوج ظالم، والمال مال المرأة، حقها وعناؤها وكدها وشقاؤها هو حق من حقوقها، ليس من حقه أن يطالبها بهذا الراتب، وليس من حقه أن ينتزعه منها، ولقد ظلم وفجر، وبلغ من ظلمه وفجوره أن يحرمها من بر والديها -نسأل الله السلامة والعافية-! فقد ظلمها في مالها، ولا يحل له من مالها إلا ما طابت به نفسها، أما إذا لم تطب نفسها بشيء فإياك إياك! ومالها وحقها.
ولذلك: يعتبر ظالماً من وجهين: لأخذه من مالها بدون حق، ويلزمه في التوبة أن يرد المال إليها كاملاً، وأن يتوب إلى الله مما بدر منه.
وأما الأمر الثاني: فإنه يستغفر الله من العقوق الذي أمرها به.
وانظروا إلى الشقاء! {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:37] نسأل الله السلامة والعافية، فقد يكون عاقاً ويأمر زوجته بالعقوق.
وأنا أطيل في هذه المسألة وأركز عليها -ولو تأخرنا- والله لأهميتها، فكم من بيوت هدمت، ولقد سمعت من بعض الشكاوى حتى من الصالحات يشتكين الصالحين، بعض الشباب فيه خير، وقد يلتزم على ذكر وعلى طاعة وبر، ولكنه يسيء التعامل، وقد تجد المرأة عنده السنة والسنتين لم يدخل السرور عليها يوماً من الأيام.
يأتي لكي يدقق في كل صغيرة وكبيرة، ناسياً فضلها واستقامتها، المرأة بشر المرأة ضعيفة بين هذه الجدران الأربعة، تصور لو أنك سجنت بين هذه الأربعة الجدران يوماً كاملاً لضاقت عليك الدنيا، أنت تخرج هنا وهناك تبدد همومك وأحزانك، ولكن هذه الضعيفة لمن تشتكي غير الله جل جلاله؟! فلذلك: الرحمة! وينبغي على الأخيار أن يوسعوا، وأن يكونوا مثلما كان النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقف على قدميه يوم العيد لـ عائشة -نبي الأمة، وإمام الرحمة- من أجل أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالسلاح، فيقول: هل فرغت؟ تقول: لا بعد.
يقول: هل فرغت؟ لا بعد.
هل قال لها: أنا نبي الأمة أقف لك؟! لو أن شاباً خيراً اليوم قالت له امرأته: أريد أن تخرج بي لكي أنفس عن نفسي.
لأقام الدنيا وأقعدها، أنت تتشبهين بالفاجرات! أنت كذا وأنت كذا! ونبي الأمة يقف على قدميه صلوات الله وسلامه عليه! يقود الأمة والجحافل في الجيوش والجهاد، وإذا دخل إلى بيته دخل حليماً رحيماً موطأ الكنف صلوات الله وسلامه عليه، فيأخذ بمجامع تلك القلوب ببره وإحسانه، فيأخذ القصعة من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فيقسم عليها أن تشرب قبل أن يشرب من يفعل هذا الفعل؟! تشرب قبل شربه، ثم إذا شربت وضع فمه حيث وضعت فمها من يفعل هذه الأفعال الكريمة غير الصالحين؟ وإذا لم يفعلها الصالحون فمن يفعلها؟ فالله الله! في حقوق النساء! في التوسعة عليهن! وإدخال السرور عليهن! نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من الخيار للأزواج.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.