إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فأحييكم بتحية الإسلام تحية من عند الله مباركة طيبة، فالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وفي بداية هذا اللقاء، أحمد الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى على عظيم نعمته، وجليل فضله وجميل منته، أن جمعني بكم في هذا البيت من بيوت الله، وبعد هذه الفريضة من فرائض الله فـ (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده).
وكم من أقوام جلسوا لذكر الله فقاموا من مجالسهم وقد بدلت سيئاتهم حسنات (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43] ثم إنني أشكر بعد شكر الله عَزَّ وَجَلَ من كان له الفضل بعد الله في تهيئة هذا اللقاء من المشايخ الفضلاء، وأخص بالذكر الشئون الدينية في الحرس الوطني، أسأل الله العظيم أن يعظم أجور الجميع، وأن يتقبل منا ومنكم صالح القول والعمل.
أيها الأحبة في الله! أساس الدين والملة وقاعدة الإسلام العظيمة التي عليها صلاح الدين والدنيا والآخرة، والتي من أجلها أنزل الله كتبه، ومن أجلها أرسل رسله مبشرين ومنذرين، بل ومن أجلها كانت الدنيا والآخرة، ومن أجلها نصب الميزان، ونشر الديوان، وكانت الجنان والنيران.
إنها القاعدة العظيمة التي عليها مدار الصلاح والفلاح والربح والخسارة، فمن قام بها وأداها على وجهها أسعده الله في الدنيا والآخرة، ومن ضيعها وأضاع حقوقها {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] إنه التوحيد والإيمان واليقين، والإحسان الذي هو أساس كل خير، ومنبع كل فضيلة وبر، من أصلح لله إيمانه وكمَّل توحيده وإخلاصه فتح الله له أبواب رحمته وزاده من عظيم بره وفضله، وإذا دخل الإيمان إلى القلوب اطمأنت بالله علام الغيوب.
إنه التوحيد الذي أخبر الله عَزَّ وَجَلَ أن ما من أمة إلا وبعث إليها رسولاً يأمرها {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
إنه التوحيد شهادة (أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله) التي هي مدار الصلاح والفلاح في الدين والدنيا والآخرة.
جعل الله شعائر الإسلام كلها تدور حول هذه الكلمة، تغرس في القلوب الإيمان بالله علام الغيوب، وتغرس في النفوس اليقين بلا إِلَهَ إِلَّا الله، فكل ما في هذا الكون يدل على صدق هذه الكلمة، وكل ما في هذا الكون يشهد بمعناها (أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله) ما من ليل ولا نهار ولا عشي ولا إبكار إلا وهو يؤذنك ويعلمك أَنّه لا إِلَهَ إِلَّا الله، إقبال الليل يذكر حينما كان الإنسان قبل ساعات وهو في ضياء النهار، فإذا به في ظلمة بقدرة الله جل جلاله، ثم يمضي الليل ويرخي سدوله، ويبسط العبد كفه فلا يراها من الظلمة، وما هي إلا سويعات قدرها الله جل جلاله حسبت بثوانيها ولحظاتها فإذا انتهت وانقضت آذن الله بالنهار: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40] هذه الدلائل الزمانية والدلائل المكانية، أشجار وأحجار، وما على هذه البسيطة من جبال ووهاد ونجاد وسهول وهضاب، كلها تذكر بلا إِلَهَ إِلَّا الله، وعلى ذلك دارت شرائع الإسلام كلها، فالصلاة عمود الإسلام التي تحقق معنى لا إِلَهَ إِلَّا الله، ففي الدعوة إلى الصلاة شهادة أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا دخل العبد إلى مسجده وأراد أن يؤدي فريضة ربه، استفتحها بقوله: الله أكبر، الله أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، فيستفتح بالتوحيد، ويختم صلاته بالتوحيد، السَّلامُ عَلَيَّكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، وهي دعاء بالسلامة والرحمة على العباد.
تفتتح بالتوحيد وتختتم بالتوحيد، وتحتوي جميع أركانها على التوحيد، من قراءة القرآن والتسبيح في الركوع والسجود وغير ذلك من الأذكار القولية والأفعال كلها تدور حول لا إِلَهَ إِلَّا الله.
وهذه الزكاة لا يدفعها العبد إلا وهو يعلم ويوقن بهذه الكلمة؛ لأنه يعلم أن المال مال الله، وأن الله أغناه من الفقر، وأعزه من الذل، وكساه من العري، وأطعمه من الجوع، وأغدق عليه هذا المال، فإذا قدم الصدقة خالصة من قلبه فقد حقق معنى لا إِلَهَ إِلَّا الله، أطاع الله جل جلاله وامتثل أمره وأدى زكاته طيبة بها نفسه، وأداها وطلب أصحابها فوضعها في أيديهم أمانة يلتمس بها مرضاة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تحقيقاً لهذه الكلمة وإيماناً بما فيها.
كذلك الصيام فما جاعت الأحشاء ولا ظمئت الأمعاء إلا بالإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، آثر العبد ما عند الله على شهوة نفسه ولذة كبده وطعمة بطنه ولذة فرجه لمرضاة الله ربه، جميع شعائر الإسلام تدور حول هذه الكلمة العظيمة.