الوصية الأخيرة التي يوصى بها كل من التزم بدين الله عز وجل: أن يحس بقرب الأجل؛ فإن طول الأمل في الدنيا يقسي القلوب، وإذا قست القلوب عميت البصائر -نسأل الله ألا يعمي لنا بصيرة- فإذا عميت بصيرة العبد ضل وأضل وشقي وأشقى، نسأل الله السلامة والعافية.
فإذا قصر أملك في الدنيا خفت من الآخرة، وإذا خفت من الآخرة عملت لها فقوي التزامك، وكملت هدايتك، وأصبحت قوي القلب في طاعة الله عز وجل، وصورة ذلك: (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).
واحسس كأن الموت أدنى إليك من شراك نعلك، فكم من إنسان ضحك لأخيه وتبسم في وجهه ثم فارقه في طرفة عين! فالآجال مكتوبة، إذا جاء الأجل لا يستأخر ساعة ولا يستقدم.
إذا أراد العبد أن يبارك الله له في هدايته جعل الموت نصب عينه، فإن ذلك يزيد من الطاعة ومن الالتزام والهداية، وكما أنه يزيد من الخوف من الله وخشيته سبحانه وتعالى، ولقد نغص الموت كل طيب إلا ما طاب لله جل جلاله: علمي بأني أموت نغص لي طيب الحياة فما تحلو الحياة لي فالإنسان إذا تذكر أنه سيموت ويرحل أحس أن أشجانه كلها للآخرة، وأن هذه الدنيا ما هي إلا كبلغة يتبلغ بها لدار ليس من بعدها دار، ولقرار هو القرار، إما في جنة وإما في نار، وسيعلم الإنسان منقلبه بينهما، فلا منزل ثابت يصير إليه غيرهما.
نسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتنا بالقول الثابت، وأن يعصمنا من الزلل في القول والعمل، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، فقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كما في الصحيح: (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن) فقولوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله.