كما يستحب في قراءة الليل أن يقرأ من القرآن بالنظر وأن يقرأ غيباً، وهل الأفضل أن يقوم في الليل بالقرآن أو غيباً؟ مسألتان: المسألة الأول: أنه يجوز له أن يقرأ بالقرآن نظراً، والأصل فيه أن عائشة رضي الله عنها كانت تأمر مولاها ذكوان أن يقوم بالليل بالمصحف، ونص جماهير العلماء على أنه لا حرج أن يصلي في صلاة الليل وهو ينظر إلى المصحف لكن: هل الأفضل أن يقرأ بالمصحف أو يقرأ غيباً؟ قال بعض العلماء: الأفضل أن يقرأ غيباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غيباً؛ ولأنه إذا قرأ غيباً انشغلت أحاسيسه وانشغل ذهنه بتذكر الآيات وضبطها وأدائها من دون نقص أو خلل، وهذا جهد وتعب يكون أبلغ في الأجر والمثوبة.
ولأنه إذا حمل المصحف انشغل بحمله وكلف نفسه حمله، والأفضل له أن يكون نظره إلى السجود وذلك أقوى وأدعى للخشوع فيه، فلذلك قالوا: الأفضل أن يكون غيباً ولا يكون نظراً.
وقال بعض العلماء: الأفضل أن يقرأ بالمصحف سواء في الصلاة أو في غير الصلاة؛ لأنه يأمن الخطأ ولأنه أدعى لضبط القرآن فهي فضيلة متصلة؛ ولأن القراءة من المصحف تفرغه في التفكر في الآيات أكثر والتدبر فيها أكثر.
والذي يترجح هو القول الأول؛ لأنه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، فالأفضل له أن يقرأ غيباً إلا إذا خشي الخطأ فإنه يحتاط بكتاب الله ويكون قريباً منه، فإذا كان القرآن في جيبه جاز له أن يخرجه وينظر فيه؛ لأنها حركة يسيرة ومن أجل مصلحة الصلاة، وتجوز الحركة إذا كانت يسيرة لمصلحة الصلاة، إلا أن هنا خطأ ينبغي التنبيه عليه وينبغي على طلاب العلم أن ينبهوا الناس عليه خاصة في المساجد الكبيرة أثناء صلاة التراويح، فإنك ترى الرجل حاملاً للقرآن وينظر في كتاب الله عز وجل، فإذا سمع الإمام أخطأ رفع صوته ليرد عليه، وقد يكون بعيداً عن الإمام ويكون الإمام في موضع لا يسمع فيه رده ولا يبلغه صوته، وهذا لا شك أن فيه تشويشاً على المصلين وفيه كلاماً من دون حاجة، ولا يجوز له أن يتكلم إلا من ضرورة وحاجة، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ فأنصتوا) والمسألة عامة حتى من يقف وراء الإمام أو يكون في المسجد والإمام يخطئ لا ينبغي لهم أن يتعجلوا في الفتح على الإمام مادام هناك من يتولى هذا الأمر، وما دام أن هناك حفاظ وراء الإمام يردون عليه إذا أخطأ، فالسنة أن يسكت الناس وأن ينصتوا لكتاب الله عز وجل، وأن يتفرغوا بما ينبغي أن يتفرغ له المأموم من الخشوع والتأثر بكتاب الله.
أما حملهم للقرآن أنه سيتكلف هذا الحمل، ثم إذا نظر إليه تكلف النظر للقرآن وهذا قد يفوت عليه فضيلة الخشوع والتأثر بكتاب الله عز وجل وبسماع الآيات، فينبغي للناس أن ينصحوا ويوجهوا ذلك، أنه لا حاجة إلى حمل المصاحف خاصة في المساجد العامة والتي لا يحتاج فيها إلى حمل المصحف من المأمومين.
والسنة في القراءة أن تكون مرتلة فإذا قام المسلم من الليل فالأفضل له أن تكون قراءته مرتلة.
قال بعض العلماء: الأفضل أن تكون القراءة فوق التجويد ودون الحدر أي: بين بين، والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الطوال في قيامه من الليل ولا يتأتى ذلك إلا بطريقة الحدر ولذلك قالوا: الأفضل له أن يقرأ قراءة فوق القراءة المتأنية ودون القراءة السريعة، أما إذا كان وراءه المأموم فإنه يراعي تأثر الناس، والقراء يختلفون على حسب حدرهم وتجويدهم، فبعض القراء تتأثر بقراءته إذا حدر ورتل، وبعض القراء تتأثر بقراءته أكثر إذا جود، ولذلك يراعي تأثر الناس بقراءته، ولا حرج عليه إن قرأ بهذه الصفة أو هذه الصفة فالأمر واسع في قيام الليل؛ لأن المقصود التأثر بكتاب الله عز وجل وبكلامه.