أما الأمر الثاني: فقدم الفرض على النفل، ولا تقدم النفل على الفرض، هيئ الأسباب لمرضاة الله، فإن الله لا يطاع من حيث يعصى، فإذا تعارض الاعتكاف وبر الوالدين وحقوق الأبناء والبنات أو تعريض الزوجات إلى المحرمات فقدِّم ما أمرك الله بتقديمه، والله يبلغك بالنية الثواب، فالمعامَلُ كريم سبحانه وتعالى، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: (ما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضته عليه)، فإذا كان الوالد يدعوك لبره والوالدة تدعوك لبرها، فقدم برهما على الاعتكاف، فالقرب من الوالدين أفضل من الاعتكاف ولو كان الاعتكاف في ليالي العشر.
ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل فقال: (يا رسول الله! إني قدمت من اليمن أبايعك على الهجرة وعلى الجهاد)، يريد أن يعيش في ظل النبي صلى الله عليه وسلم، ويجاهد تحت سنانه وسيفه، ومع ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أحية أمك؟ قال: نعم، قال: الزم رجلها، فإن الجنة ثم -أي هناك- الزم رجلها فإن الجنة ثم!).
فيا من تريد الجنان! ويا من تريد الفوز برحمة الرحمن! بر الوالدين، أحسن إليهما وعش في كنفهما، كلاماً ليناً وقولاً كريماً تفوز فيه برحمة الله، فما بال كثير من الشباب قد عزف عن هدي الصواب فخرج عاقاً لوالديه؟! فالله لا يطاع من حيث يعصى، ولذلك قد يجد كثير من الشباب حرمان التوفيق في الاعتكاف فتقسو القلوب من القرآن، وتصبح في ضنك من العيش لا يعلمه إلا الله؛ والسيئة سببٌ في ذلك، فلذلك قدم الواجب، وقدم ما أمرك الله بتقديمه، واعتبر فرض الله على غيره.