السبب الثاني: الذي يكسر القلوب ويرققها، ومعين العبد على رقة قلبه من خشية الله عز وجل: النظر في آيات هذا الكتاب، النظر في هذا السبيل المفضي إلى السداد والصواب، النظر في كتاب وصفه الله بقوله: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1].
فما قرأ العبد تلك الآيات وكان عند قراءته حاضر القلب متفكراً متأملاً إلا وجدت العين تدمع، والقلب يخشع، والنفس تتوهج إيماناً من أعماقها، تريد المسير إلى الله تبارك وتعالى، وإذا بأرض ذلك القلب تنقلب بعد آيات القرآن خصبة طريةً للخير، ومُحبة لله عز وجل ولطاعته، فما قرأ عبدٌ القرآن ولا استمع لآيات الرحمن إلا وجدته بعد قراءتها والتأمل فيها رقيقاً قد اقشعر قلبه، واقشعر جلده من خشية الله تبارك وتعالى: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:23].
فالقرآن تأثيره عجيب! هذا رجل من الصحابة تليت عليه بعض آيات القرآن، فنقلته من الوثنية إلى التوحيد ومن الشرك بالله إلى عبادة رب الأرباب سبحانه وتعالى في آياتٍ يسيرة، هذا القرآن موعظة رب العالمين، وكلام إله الأولين والآخرين: ما قرأه عبدٌ إلا تيسرت له الهداية بقراءته؛ ولذلك قال الله في كتابه: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17]، هل هناك من يريد الذكرى؟ هل هناك من يريد العظة الكاملة والموعظة السامية؟ هذا كتابنا؛ لذلك أحبتي في الله ما أدمن قلبٌ ولا أدمن عبدٌ على تلاوة القرآن وجعل القرآن معه إذا لم يكن حافظاً يتلوه آناء الليل وآناء النهار إلا رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.