Q في بعض القرى يحرمون المرأة من الميراث، فتسكت على ذلك خوفاً من القطيعة، وقد تفاجأ بأن الميراث موقوفٌ على الرجال ونسلهم دون النساء، فما حكم ذلك وما موقف الدعاة وخطباء المساجد تجاه ذلك؟ وما موقف المرأة من مورثها وأقاربها؟ وهل عليها بر والديها بعد أن حرماها من حقٍ لها؟ والسؤال الآخر يقول: معلومٌ أن الله تعالى تولى تقسيم الفرائض بنفسه، ولم يكل ذلك لأحدٍ من خلقه، والسؤال: إن بعض الناس يُلجئ الوارث من النساء إلى التنازل -خاصةً الأخوات- مقابل بعض المال، وذلك حتى لا تنتقل التركة إلى غير الرجال من الوارثين، حتى أصبحت المرأة تعتقد أنه لا حق لها في المطالبة، والتي تتجرأ على المطالبة تنبذ وتقاطع وتحتقر، وتعدُّ مخالفةً لعادة المجتمع، نرجو من فضيلتكم التعليق والنصح، أثابكم الله وأعظم أجركم؟
صلى الله عليه وسلم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها) قال بعض العلماء: من ذلك أن الرجل يكون على صلاح وديانة واستقامة حتى إذا حضره الموت جار وظلم في الوصية التي يكتبها لأهله، فهذا الظلم والجور يكون سبباً في دخوله النار والعياذ بالله، فيكون آخر ما يكتب له في صحيفة عمله أن خرج ظالماً قاطعاً للرحم -والعياذ بالله-.
الميراث حقٌ تولى الله قسمته من فوق سبع سماوات {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء:176] ولم يكل قسمة المواريث لا إلى ملكٍ مقربٍ، ولا إلى نبيٍ مرسلٍ، ولكن تولاها سبحانه جل جلاله وحده، فينبغي أن يعلم أن للمرأة حقاً في الميراث، وأن هذا الحق ينبغي أن يحفظ ولا يضيع، وأنه لا يجوز أن يستباح حق المرأة بالحيل والمكر، فإن الحيلة وإن نفعت في الدنيا فلن تنفع صاحبها يوم القيامة.
وكذلك ينبغي أنْ يعلم الإنسان أنَّ المرأة إذا كانت ضعيفةً عن أخذ حقها فإن الله قويٌ ينتزع لها حقها، فليتق الإنسان ربه في حقوق هذا الإنسان الضعيف، والله جل وعلا جعل لها هذا الحق ليعينها على العفة، ويحفظ ماء وجهها أن تسأل غيرها، فإن المرأة إذا احتاجت قد تتعرض إلى الزنا والحرام، فالله جعل لها هذا النصيب حتى تصون ماء وجهها وتذكر ميتها فتترحم عليه فتقول: رحمة الله على فلان، ورحمة الله على أبي وأخي الذي ترك لي كذا وكذا.
فيأتي هذا الظالم الفاجر الذي لا يتقي الله جل وعلا، لكي يقطع عنها رزقها، ولكي يؤذيها فيما أعطاها ربها، فهذا من الظلم، ومن الجور.
والمسئولية على العلماء عظيمة، وعلى أئمة المساجد، وعلى طلاب العلم، وعليكم عامة أن تبينوا للناس أنه لا يجوز ظلم المرأة في أي شيء خاصةً في هذه الحقوق التي هي المال، فإن الله جل وعلا أخبر عن المال أن النفوس تحبه ومجبولةٌ عليه {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء:128] وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً عن أن يزيد عن الحق المعتبر في الزكاة التي هي حق لله، فقال: (وإياك وكرائم أموالهم) ثم قال بعدها: (واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).
وجاء في الرواية الثانية أن الله يرفعها ويقول: (وعزتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعد حين) وقال بعض العلماء: إن الله ينتصف للمظلوم من ظالمه ولو كان المظلوم كافراً؛ لأن الله عدل لا يحب الظلم (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) فهذا ظلمٌ للمرأة، ولا يجوز ظلم المرأة في الميراث.
وكذلك احتقار المرأة وأذيتها واحتقارها وانتقاصها! وكون كثير من الناس يرى أن المرأة أشبه بسقط المتاع حتى يشبهها بعضهم بالحذاء -أكرمكم الله نسأل الله السلامة والعافية- ومن عادات الجاهلية الممقوتة التي تدل على ضعف الإيمان في القلوب قول بعضهم: المرأة أعزك الله! المرأة أكرمك الله! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] المرأة مخلوق من مخلوقات الله جل وعلا، المرأة قد تكون سبباً في صلاح أُمةٍ، خديجة رضي الله عنها وقفت مع النبي صلى الله عليه وسلم فثبت الله بها قلبه.
لا ينبغي للإنسان أن يكون ضعيف عقل، ويكون عنده تهور في انتقاص الناس واحتقارهم، فالمرأة فيها خير، كما أن الرجل فيه خير، وكون بعض العادات والتقاليد من احتقار المرأة وامتهانها وانتقاصها هذه من بقايا الجاهلية، ومن تخلف العقول، فالله يزن الناس ذكرهم وأنثاهم بالعمل الصالح {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97].
فلا يجوز ظلم النساء وأذيتهن واحتقارهن، وتبقى مظلومة، وأشد ما يكون الظلم من القريب، فالمرأة إذا ظلمت من أخيها، وإذا ظلمت من ابنها وأبيها، فمن الذي يقف معها بعد الله عز وجل؟ الله المستعان! ضعيفة، قد يظلمها زوجها، ثم يأتي أبوها ويظلمها، ثم يأتي أخوها ويظلمها، أين تذهب؟ أين يذهب هذا المخلوق الضعيف؟ مع ما هي فيه من همها ونكدها في عيشها.
فينبغي لنا أن نتقي الله عز وجل فإن الراحمين يرحمهم الله، وهذه الغلظة والجفاء والأذية لعباد الله عز وجل ليست من الإسلام في شيء، بل الإسلام دين السماحة واليسر، ودين العدل والإنصاف والرحمة، وكان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يأمر بالإحسان إليهن حتى قال: (من ابتلي بشيء من هذه البنات فرباهن فأحسن تربيتهن إلا كنَّ له ستراً من النار).
فلذلك ينبغي حفظ حقوق النساء، وعادات الجاهلية وبقايا الجاهلية ينبغي أن تنزع من العقول ومن القلوب والقوالب، وأن يعطى للنساء حقوقهن، ويحافظ على هذا الحق حتى ينجو الإنسان في يومٍ تشخص فيه القلوب والأبصار {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] يفر لأنه يخاف أن يكون ظلم بنته أو ظلم أخته أو ظلم زوجته أو أمه؛ فلذلك ينبغي التناصح في هذا، والمسئولية عظيمة.
وقد كان الناس قديماً في الجهل، ولكن الآن انتشر العلم بين الناس، وأصبحت تعي وتعلم أن هذا ظلم، فلا تسكت، فإن رأيت الوالد يوصي بأن ماله للرجال دون النساء فقل له: اتق الله يا والد، واسأل العلماء فيما أنت فاعل، وإذا كان هناك وصية قديمة أو كان الإنسان قد ظلم أخواته، فمن الليلة لا تنام حتى تذهب إلى أختك وقريبتك وتقول لها: خذي حقك كاملاً، فأعطها حقها قبل أن يأتي يوم ينصف الله فيه المظلوم من الظالم، والمحروم ممن حرمه.
ولذلك ورد في الحديث الصحيح أن الله ينصف البهائم بعضها من بعض، فكيف ببني آدم؟ بهائم، شاة جلحاء لا قرن لها يأخذ الله لها حقها من الشاة القرناء، ثم يقول الله لها: كوني تراباً.
وهناك صورة أُحبُّ أن أوضحها، وتسمى عند العلماء بالتخارج، وصورتها: أن يكون الرجل قد مات عن بنتين وابنين، فيكون للبنتين لكل واحدة منهن سهم، فيصبح سهم النساء سهمين، ويكون للابنين الذكرين أربعة أسهم، ويكون مجموع الأسهم ستة، فيترك -مثلاً- أرضين، والأرضين هذه قيمتها -في الحقيقة- تعادل إحداها أربعة آلاف ريال، والثانية تعادل ألفي ريال، فيصطلح الذكور والإناث على أن للإناث الأرض التي بألفين، وللذكور الأرض التي هي بأربعة آلاف، وقد اختلف فيها العلماء رحمهم الله ومذهب طائفة من أهل العلم صحتها وجوازها وهو الصحيح، ويستوي عند العلماء أن يكون التخارج في الفرض والأسهم في النقد، أو يكون بالأعيان، النقد مثل النقود، ويقول له: هذه الدار قيمتها ستة آلاف، نصيبي فيها أربعة أسهم، ولك منها سهمين، فخذ هذه الألفين عن سهميك الباقيين ونحو ذلك.
لكن هذه الصورة ليست مما نحن فيه، فهذه الصورة جائزة ليس فيها حرج لكن بشرط: أن يكون مقدار النصيب الذي يعطى للنساء حق وعدل، ولا يكون فيه ظلم، بمعنى: أنه ما يخدع النساء ويقال لهن: التخارج جائز، ثم يأتي كل من هب ودب يقدر لهن ميراثهن ويظلمهن لا، بل يقدر برجلين من أهل الخبرة؛ عدلين، لا يحيفان لأحد من الورثة بالضوابط الشرعية المعتبرة.
النقطة الثانية: عند كتابة الوصية إذا كان خروج المرأة إلى القاضي، وقالت: أنا متنازلة عن نصيبي، وكان هذا بالإكراه، فإن ذلك لا يحل نصيبها ألبتة، فإن الإكراه لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً، فالإكراه لا يوجب حرمة الحلال -بمعنى أن المرأة التي تملك نصيبها يصبح نصيبها حرامٌ عليها- والإكراه لاغٍ ووجوده كعدمه كأنه لم يوجد، فإذا أكرهت المرأة واستحيت، حتى إن بعض العلماء يرى أن الحياء والخجل في بعض الأحيان نوع من الإكراه، وهو أصل عند شيخ الإسلام ابن تيمية قرره في غير ما موضع من المجموع: أن الإكراه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، فقد يكره الرجل بالحياء، فلذلك إذا كانت المرأة يضغط عليها عن طريق زوجها، أو عن طريق إخوانها حتى تتنازل، فهذا التنازل وجوده وعدمه على حد سواء، فليتق الله الإنسان في هذه الحقوق، ويؤديها كاملةً على الوجه الذي يرضي الله.
فلذلك ينبغي أن تحفظ حقوق النساء، وأن تؤدى كاملة، وكذلك حقوق الرجال، وأن يتقي الله المسلم فيما يعتقده، وأن يؤدي لكل ذي حق حقه والله تعالى أعلم.