معنى التقوى ولوازمها

وتقوى الله أن تعبد الله على نور من الله ترجو رحمة الله، وتخشى عذاب الله، وهذا النور يحمل العبد على أمرين عظيمين ما كانا في عبد إلا أحبه الله: أولهما: أداؤه لفرائض الله على الوجه الذي يرضي الله.

وثانيهما: خوفه وخشيته من حدود الله ومحارمه، وكلما كمل تقوى العبد كلما وجدته أسبق إلى الخيرات، وأعف عن الحدود والفواحش والمنكرات، وكلما كمل هذا النور في القلوب كلما كان هذا العبد متعلقاً بربه، قريباً من طاعته، بعيداً عن حدوده ومعصيته.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بهذه الوصية العظيمة تأسياً بكتاب الله، وسَيراً على نهج رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم إلى يوم الدين، ولذلك لما جاءه الرجل وهو يريد السفر، قال: (يا رسول الله! إني أريد السفر فزودني، قال: زودك الله التقوى) فما وجد النبي صلى الله عليه وسلم زاداً يقذفه في سمع ذلك المؤمن إلا أن يدعو له أن يزوده الله التقوى، وأي زاد ذلك الزاد الذي شهد الله عز وجل أنه خير زاد، كما قال سبحانه وتعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197].

قال بعض العلماء: قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197] فيه دليل على أنه ما خرج عبد بخصلة بعد الإيمان أحب إلى الله من تقوى الله عز وجل، وتقوى الله يربيها المسلم في قلبه بقراءة كتاب الله جل وعلا، وتدبر تلك الآيات، والنظر في تلك الكلمات العظيمات، والمواعظ البالغات، التي تقرب القلوب إلى ربها، وتحببها في طاعة خالقها، وتجعلها أعف ما تكون عن حدود الله جل وعلا ومحارمه.

وما كمل تدبر العبد للقرآن إلا كمّل الله تقواه، ولذلك صدّر الله كتابه بقول: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:1 - 2] فأخبر أن هذا القرآن والكتاب يهتدي به المتقون، وينتفع به الصالحون جعلنا الله وإياكم منهم، فخير ما يتواصى به الأخيار تقوى الله جل وعلا.

وتقوى الله تكون مع الإنسان وهو بين الناس، وتكون مع الإنسان وهو وحيد وفريد، وبين أهله وولده، ومع الأزواج والزوجات، ومع الأبناء والبنات.

التقوى تكون مع الإنسان خالياً، فلربما ملكت قلبه ففاضت عيناه من الدمع، فحرم الله تلك العين على النار، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كل العيون باكية أو دامعة يوم القيامة إلا ثلاثة أعين -وذكر منها- عين بكت من خشية الله) فتكون التقوى مع العبد فريداً وحيداً، ولربما انفرد في ليلة لكي ينام، وأضجع شقه لكي يرتاح، حتى إذا أراد أن ينام تذكر حدود الله وحقوقه، فأشفق على نفسه من تقوى الله جل وعلا، ودمعت عيناه وهو لا يشعر، فأظله الله بتلك الدموع في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في السبعة: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).

قال بعض العلماء: وقلَّ أن يكون لعبد إلا إذا كان فيه تقوى لله جل وعلا، وتكون تقوى الله مع الإنسان وهو بين أهله وأولاده، يأمرهم بطاعة الله، ويحببهم في مرضاة الله، ويأخذ بتلك القلوب البريئة إلى محبة الله ومرضاته، ويجعلها على خير ما يكون عليه الابن وعلى خير ما تكون عليه البنت، يتقي الله وهو بين أهله وأولاده، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أنه جاءه النعمان وقال: يا رسول الله! إني نحلت بعض ولدي نحلة، وقالت أم فلان: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته ذلك؟ قال: لا، يا رسول الله! قال: اذهب فأشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) وفي رواية: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم).

فتقوى الله تكون مع المسلم حتى وهو مع أولاده، في حركاته معهم وسكناته، وتفضيله لبعضهم على بعض، فيتقي الله فيهم في مطعمهم ومشربهم وملبسهم، وفي إدخال السرور عليهم، وفي تأمينهم، وغير ذلك من الحقوق التي فرضها الله عز وجل عليه، والتي إذا أداها على أتم الوجوه جعله الله على منبر من نور يغبطه عليه الأنبياء والشهداء، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء، الذين يعدلون في أهليهم وما ولُّوا).

كذلك تكون تقوى الله عز وجل مع المسلم وهو في تجارته، في بيعه وشرائه، وأخذه وعطائه، لا يمكن أن تقبض يده على مال، إلا وقد اتقى الله جل وعلا حين يأخذه، ولا يمكن أن تبذل يده شيئاً من المال إلا وقد اتقى الله جل وعلا وهو يبذله، يتقي الله جل وعلا؛ لأنه يعلم أن الله يحاسبه على كل شيء جنته يداه، وعلى كل شيء أعطته يداه، فتقوى الله تدخل مع العبد في جميع شئونه وأحواله.

ولذلك قالوا: من أوصى بتقوى الله فقد أوصى بالدين، بل أوصى بجامعة الخير، كما قال الإمام الحافظ ابن عبد البر: جماع الخير كله تقوى الله، وما وصَّى نبي ولا عالم إلا استفتح وصيته بقوله: أوصيك بتقوى الله جل وعلا.

ولذلك هي الوصية العظيمة التي ينبغي للمسلم أن يستشعرها في جميع شأنه وأحواله.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من عباده المتقين، اللهم إنا نسألك أن تقذف في قلوبنا نورها، وأن تجعلنا من أهلها إنك ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015