نصيحة لطالب العلم

Q رجل لم يستفد من طلبه للعلم خلال ثلاث سنوات؛ وذلك لأنه لا يسير على منهج واحد، فكيف يصحح مسيره في طلب العلم؟

صلى الله عليه وسلم إذا أردت أن تصحح مسيرك في طلب العلم، فعليك: أولاً: بالإخلاص لله عز وجل؛ وثق ثقة تامة أنك ستعطى من العلم على قدر إخلاصك، فإذا تكلمت تكلمت لله، وإذا عملت عملت لله، والسلف الصالح -رحمهم الله- عندما صدقوا مع الله في طلب العلم هانت عليهم الأسفار، وهانت عليهم مشاق الليل والنهار، كل ذلك عندما أخلصوا لله عز وجل، وقد قال بعض العلماء موصياً ابنه: (يا بني! أخلص لله يأتك العلم).

أذكر أني ذات مرة كنت مع الوالد -رحمه الله- في المكتبة، فجاء لكي يضع تفسير القرطبي ففاضت عيناه من الدمع، ثم قال لي: يا بني! لقد كنت أحلم أن أرى القرطبي بعيني، وكنت شغوفاً بجمع كتب العلم وعلم جدك بذلك، فقال لي: يا بني! أخلص لله تأتِ كتب العلم إليك، قال: فهأنذا عندي ثلاث نسخ منها، أليست هذه نعمة؟ قلت: بلى، والله إنها لنعمة، فمن أخلص لله في طلب العلم أعطاه الله العلم.

ثانياً: عليك أن تحاول قدر استطاعتك أن تأخذ العلم عن العلماء؛ لأن كثيراً من طلاب العلم -خاصة في هذا الزمان لا يأخذون العلم إلا من الكتب، نعم الكتب فيها خير ولكن يفوتهم من الخير ما لم يخطر لهم على بال، العلم يؤخذ من صدور الرجال، يؤخذ حينما تزاحم العلماء بركبتيك وتتعرض لرحمة الله بالتواضع في الجلوس في حلق الذكر، فتكون خطواتك وأنفاسك وسمعك وبصرك في سبيل الله؛ لأنك تقرأ وتكتب وتسمع، وتفكر في مسائل العلم، فالعلم لا يؤخذ من السطور كما يؤخذ من الصدور؛ ولذلك قال بعض العلماء في شرح الحديث الصحيح: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء؛ ولكن يقبضه بموت العلماء) قال بعض العلماء: (في هذا دليل على أن العلم يؤخذ عن الرجال)؛ لأنه لو كان العلم يؤخذ عن الكتب ما قال: ينتزعه انتزاعاً، ولكن قال: (بموت العلماء) فدل على أن العلم مربوط بالعلماء، ولذلك أوصي كثيراً طلاب العلم أن يكونوا حريصين على أخذ العلم من العلماء، قالوا: (من كان شيخه الكتاب، فخطؤه أكثر من الصواب) فإن الإنسان لا يأمن من تحريف المطبعة أو من الفهم السقيم، فلربما يفهم الشيء على غير ظاهره، وكذلك أيضاً قال بعض العلماء من مظنة الفهم في العلم: (أن الإنسان يوفق للجلوس أمام يد العالم) ومن المجرب أنك إذا جلست في مجالس العلماء وجدت من التيسير في طلب العلم ما لم تجده لو جلست تقرأ وحدك، فالمقصود: إن من أسباب عدم ثباتك أنك تطلب العلم من الكتب، وهذا ظني، والله أعلم.

الأمر الأخير الذي أوصيك به: بما أنه تبين لنا أن طلب العلم يؤخذ من العلماء؛ فينبغي أن تتخير العالم الذي هو أهل لأن يؤخذ العلم عنه، وقد قال عبد الله بن مسعود -كما ورد في صحيح البخاري-: (أيها الناس! إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم) إذا كنا في تجارة الدنيا نترقب ونحاول أن نجد التاجر الصادق في معاملته، فقل لي بربك، كيف بتجارة الآخرة؟ فينبغي للإنسان أن يتخير العالم العامل الذي يذكره بالله عز وجل في قوله وعمله، ويعينه في الثبات على طلب العلم، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015