أول تلك الأسباب وأعظمها: أن يتوجه العبد إلى الله جل وعلا بقلب صادق منكسر بين يديه يسأله الثبات على الهداية، فإن الدعاء حبل متين من الله عز وجل؛ من استمسك به نجا، ومن استعصم به أغاثه الله جل وعلا إذا استغاث، وأجاره إذا استجار، فالله بيده الهداية والضلال، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، هو الذي يعطي ويمنع؛ فإن أعطى فلا مانع لما أعطى، وإن منع فلا معطي لما منع.
إن أول طريق للبقاء على الهداية والثبات عليها: أن يتوجه القلب إلى الله بصدق وإخلاص، فما من عبد يسأل الله بصدق أن يثبت قدمه وقلبه على الهداية إلا كان حقاً على الله أن يثبته، فسلوا الله الثبات على الهداية فذلك شأن الأخيار ودأب الصالحين الأبرار، وقد حكى الله جل وعلا دعاءهم في محكم كتابه: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].
أولئك الأقوام الأخيار علموا أن الهداية منحة من الله، وعطية منه جل شأنه، لا سبيل للبقاء عليها ولا طريق للدوام عليها إلا إذا صدق العبد في سؤال الله ذلك، وقد دلت دلائل السنة على ذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -وهو أهدى العباد لربه وأتقاهم وأشدهم خشية لله عز وجل- كثيراً ما يسأل الله الهداية، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى) فكان يسأل الله الهداية.
وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول بين السجدتين: (اللهم اهدني وارحمني، وعافني وارفعني، واجبرني ... ) إلى آخر الدعاء المأثور، فمن تعلق بباب الله ولجأ إلى جنابه، وصدق في دعائه بسؤاله أن يثبت قلبه على الهداية، فحقٌ على الله أن يُعطيه، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الله تعالى: يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم ... ) وعد من الله أن يهدي من سأله الهداية.
إخواني! من الذي أنقذ القلوب من تلك الظلمات؟ فإن أقواماً ما عرفوا الله في حياتهم كلها! وما وقفوا يوماً من الأيام ببابه يسألونه الهداية، ومع ذلك تكرم وتفضل ووهب سبحانه، أليس خليقاً به جل وعلا إذا تعلقت ببابه، ولذت بجنابه، وأظهرت الفاقة إليه أن يثبت لك القدم على سبيله؟! فهو الحقيق بأن يهب ذلك، لذلك؛ وإني أدعوكم إلى الله جل وعلا في مظان الإجابة التي ثبتت بها النصوص الصحيحة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فسلوه الثبات على الهداية في الأسحار، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود؛ فإن الدعوة تقرع بابه، وتنزل إلى رحابه طالبة من عظيم فضله ومنه وكرمه.
فأول أسباب الثبات على الهداية: أن تدمن سؤال الله أن يثبت قلبك على الإيمان، وأن يذيقك حلاوة طاعته وذكره وشكره.