أسباب قسوة القلوب

Q إن الله تعالى يقول: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22] وإن الناظر في أحوال الناس يرى أن القلوب بدأت تتحجر ولا تخشع، ولا العيون تدمع عند سماع آيات القرآن، فهلا ذكرت لنا موعظة لتلين قلوبنا وتدمع أعيننا، وما هي أسباب قسوة القلوب؟

صلى الله عليه وسلم لا حول ولا قوة إلا بالله! والله المستعان! إن الوعظ والتذكير مسئولية عظيمة، وتذكير الناس ووعظهم ليس بكلمات تذكر فقط، بل تحتاج إلى حضور قلب، وأحتاج قبل أن أعظكم أن أعظ نفسي، وأحتاج قبل أن أذكركم أن أذكر نفسي، والله من أصعب الأسئلة عليَّ وأعظمها عليَّ أن يقال: عظنا! من أنا حتى أعظ؟! الكل يحث ويذكر بالله جل جلاله.

كم من أناس كانوا معنا في العام الماضي، أين هم الآن؟ كم من أناس كانوا في نعمة وأصبحوا في نقمة! فالليل يذكر بالله، والنهار يذكر بالله، وكل شيءٍ في هذا الوجود إلا وهو يعظكم، ما من شيء منذ طلوع الشمس إلى غروبها إلا وهو يذكرك بغروبك من الدنيا وخروجك منها، فقط موقف تقفه إذا دنت الشمس من الغروب، أتتأمل تلك الساعة، كانت الشمس في قوتها ووهجها، يسقط الناس من حرارتها، وإذا بها عند الغروب قد أسلمت لله وذلت له جل جلاله، فإذا بذلك الشعاع ينكسر، وإذا بتلك القوة تنحسر وتنفطر، وإذا بها تؤذن بالغروب، يذكرك الله جل جلاله أن هذه النعمة التي تعيشها -إن كنت في قوتك- ستزول وتنتهي وتسلم الروح له جل جلاله، كل شيءٍ يذكر بالله، ولكي تكون قلوبنا حية فلنتأمل في كل شيء، بيتك الذي تدخله ومسكنك الذي تسكن فيه الآمن الجديد الجميل وإذا به يصير إلى هدم وإلى حالة أسوأ مما كان عليها، يجدده الليل والنهار، ويغيره العشي والإبكار، فكل شيء يذكر بالله جل جلاله، يوم أن توجه نظرة في هذا الوجود إلا ويصيبك شيء من التأمل.

أما قسوة القلوب فمن آثار الذنوب، وكل الذي يصاب به الإنسان هو بسبب الذنوب، فعليك ألا تقول وتعمل إلا خيراً، وعلى المسلم أن يتذكر قول الله عز وجل: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:8].

ثقل الموازين بالطاعات والحسنات، وليتذكر الإنسان لماذا خلق؟ ولماذا أوجده الله؟ فكل لحظة ينبغي أن تسخرها لهذا الأمر فتسبح وتحمد وتهلل وتكبر وتذكر الله جل جلاله لعل الله أن يثقل موازينك، فكم من كلمة يسيرة من ذكر الله جل جلاله ثقل الله بها الميزان ورفع بها الدرجات.

فعلى المسلم أن يكون دائماً ذاكراً لله سبحانه وتعالى، فمن عبرة إلى عبرة: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11] وإذا حاول المسلم تغيير ما في قلبه من شر إلى خير فإن الله يوفقه ويسدده إلى كل خير، وهذه من الأسباب التي تزيل قسوة القلب، كذلك من الأسباب كثرة تلاوة القرآن، ولو أن الإنسان لا يحفظ إلا الفاتحة فليكررها؛ لأن قراءة القرآن من أعظم أسباب لين القلوب، وكم من حافظٍ للقرآن إذا تلاه كتبت لها ملايين الحسنات، إن هذا مما يلين القلوب بالله جل جلاله.

كذلك أيضاً مما يلين القلوب لذكر الله سبحانه وتعالى: أن يبتعد الإنسان عن الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصبر نفسه على الخير.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرحمنا برحمته.

اللهم إننا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

اللهم تب علينا في التائبين، وارحمنا برحمتك وأنت أرحم الراحمين.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم ألا يفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور، وأجر مرفوع، وعمل صالح مقبول مبرور.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015