أن يرزق الله العبد التقوى

أيها الأحبة في الله! ثمرة العلم! وما ثمرة العلم؟! فهي أطيب الثمرات، وأعظمها وأجلها وأكرمها؛ لأنها من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأكرم شيء على الله في هذا الوجود كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه وتعالى رفع قدرهما وأحبهما، فإذا أراد الله عز وجل أن يكرم العبد بأطيب الثمار وأحبها في الدنيا والآخرة ذاق حلاوة العلم.

ثمرة العلم ثمرتان: ثمرة عاجلة، وثمرة آجلة.

أما الثمرة العاجلة: فإن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يرزق العبد علماً نافعاً رزقه الإخلاص، وقذف في قلبه نور التقوى، فأصبح علمه لله، وقوله لله، وأفعاله وحركاته وسكناته لله جل جلاله، وعندها يطيب عيشه، فما طاب العيش إلا بالله، قال الحسن البصري رحمه الله: (لا يزال الرجل بخير؛ إذا قال قال لله، وإذا عمل عمل لله).

أول ثمرات العلم في هذه الدنيا الإخلاص، ومن عرف الإخلاص عرف الأمر الذي من أجله خلق الله الخليقة وأوجد هذا الكون، بل الأمر الذي من أجله أظلم الليل وأضاء النهار، ومن أجله كان العشي والإبكار، من عرف الإخلاص عرف الله جل جلاله.

فأول ثمرات العلم التي جناها العلماء: أن الدنيا هانت عليهم فتوجهوا إلى الله وحده، إن أصابتهم سراء شكروا وإن أصابتهم ضراء صبروا فعاشوا الحياة الآمنة المطمئنة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] وعد الله جل جلاله الذي لا يخلف الميعاد أن من عمل الصالحات أن يحييه الحياة الطيبة، وما طابت الحياة على أتمّ صورها وأكمل حللها وأجملها وأجلّها إلا لأهل العلم، فترى الرجل منهم مرقع الثياب! حافي القدمين! لكنه غني بالله جل جلاله، ما اشتكى يوماً ربه إلى الناس، وتجده يتوسد الأرض ويلتحف السماء راضياً مرضياً، وتجد غيره يرفل في نعيم الدنيا، وهو في هم وغم وكرب ونكد لا يعلمه إلا الله عز وجل.

أول ثمرات العلم: أنه يوجهك إلى الله، فتعلم الله بأسمائه وصفاته، وعندها يطيب عيشك، تعلم أن الأمر كله لله، وأن الأمور كلها مردها إلى الله؛ فتهون عليك الدنيا بما فيها، وتحب الله بصدق المحبة، وتتوجه إلى الله بصدق التوجه، ومن أقبل على الله أقبل الله عليه، ومن تقرب إلى الله فإن الله يفتح له من أبواب رحمته، وإذا فتح الله أبواب رحمته لا يستطيع أحد أن يغلقها كائناً من كان، وإذا نشر للعبد من بركته وخيره لا يستطيع أحد أن يقبض ذلك الخير كائناً من كان.

دخل سليمان بن عبد الملك إلى بيت الله الحرام وفيه علم من أعلام المسلمين وإمام من أئمة الدين عطاء بن أبي رباح رحمه الله برحمته الواسعة، هذا الإمام الذي كان ينادي المنادي في الحج ويقول: لا يفتي الناس إلا عطاء لعلمه وفضله، كان عطاء في ذلك المسجد يومها فأخذه سليمان وطاف معه، ثم قال: يا عطاء! سلني حاجتك؟ ما هي حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين! إني لأستحي أن أسأل أحداً في بيت الله جل جلاله -إني لأستحي أي من الله-، فلما خرجا من المسجد قال: يا عطاء! سلني حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين! أن يغفر الله ذنبي، قال: ليس ذلك بيدي، قال: ماذا تريد أن أسألك؟ قال: سلني حاجتك من الدنيا، قال: يا أمير المؤمنين! إني لم أسألها من يملكها أفأسألها من لا يملكها! كان العلماء رحمهم الله علماء بحق.

فأول ثمرة العلم: الإخلاص والتوجه إلى الله، ولذلك قال الله جل جلاله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] سكنت في قلوبهم خشيته، وسكنت في قلوبهم محبته سبحانه وتعالى، فأصبحت حياتهم كلها لله، لا يسأمون ولا يملون ولا يضجرون من شيء فيه محبة الله جل جلاله، فأول ثمراته في الدنيا هذا المقام العظيم الذي هو روح الإسلام ولبه يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (بل إخلاص الدين لله هو الدين الذي لا يقبل الله ديناً سواه).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015