إذا وفق الله الإنسان بتحقيق هذه الخصلة الثانية من خصال حلاوة الإيمان وهي: الحب في الله، والبغض في الله جاءت الثمرة الثالثة وهي: (أن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يُلقى في النار) أن يكره الانتكاسة، ولذلك إذا دخل الإيمان إلى قلب العبد وصدق في هذا الإيمان، فإن من أبرز الدلائل على صدقه خوفه من الانتكاسة، وكلما وجدت الشاب يخاف من الانتكاسة والرجوع والحور بعد الكور، فإن ذلك دليل على إيمانه، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يخافون النفاق، وقال بعض السلف: (والله ما عرضت قولي وعملي على القرآن إلا اتهمت نفسي بالنفاق) وقال آخر: (والله ما عرضت نفسي على القرآن إلا عددتها من الراسخين في النفاق).
الخوف من الانتكاسة يشمل حالتين: الحالة الأولى: الخوف من الكفر، وهو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم: (وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار) ولو قيل للإنسان: أتكفر بالله أو تلقى في النار؟ لاختار أن يلقى في النار على الكفر بالله، وهذا لأن الإيمان عمر قلبه وتغلغل في فؤاده.
نسأل الله العظيم أن يبلغنا وإياكم هذه الدرجة، وأن يجعلنا وإياكم في هذه المنزلة، فإن الإنسان لا يأمن من سوء الخاتمة: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} [الأعراف:99] فهذا استفهام يدل على أن الإنسان مهما كان على صلاح لا يأمن من مكر الله، ولذلك قال بعض العلماء: (كلما ازداد الإنسان صلاحاً وتقوى لله عز وجل، كلما كان أخوف من أن يعود على عقبه فيكون خاسراً) فهذه الخلة وهذه الخصلة تدل على إيمان الإنسان؛ لأنه لما عمر قلبه وذاق حلاوة الإيمان خاف من الضد، ولا يخاف من الكفر إلا المؤمن الصادق في إيمانه، ولذلك نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت إلى لقائه، وأن يجعل الإيمان الذي لامس قلوبنا في زيادة إلى لقائه وألا يبتلينا بالانتكاسة.
والحالة الثانية هي: (الخوف من نقصان الخير)، ولذلك قال بعض العلماء: (من رزقه الله طاعة كقيام الليل وصيام النهار فأصبح يتردى فيها وينتقص فعليه أن يجاهد في الرجوع إليها؛ فإنه لا يؤمن عليه أن يخذله الله عز وجل فيرجع على عقبه خاسراً والعياذ بالله) ولذلك ينبغي للإنسان المؤمن أن يراقب نفسه دائماً في طاعة الله، فإذا كان على خصلة من خصال الخير لا يتركها مهما كان الأمر، والله تعالى يبتلي الإنسان؛ فإن كنت في قيام الليل سخر لك بعض المشاغل وابتلاك ببعض الشواغل، فإن كنت صادقاً في الإيمان وثبت عليها أذاقك بعد ذلك حلاوة الثبات، وقد قال إن بعض العلماء: (إن الإنسان إذا أطاع الله وتقرب إليه بخصلة من خصال الخير فجاءه الشيطان بفتنة، فليعلم أن الله يمتحنه في تلك الخصلة) فما من إنسان يمتحن في خصلة من الطاعات ويثبت عليها بعد امتحانه إلا ذاق حلاوتها إلى لقاء الله غالباً، وقد قال بعض السلف: (جاهدت نفسي في الصلاة عشرين عاماً فتلذذت بها أربعين عاماً) عشرون عاماً والوساوس والخطرات وشواغل الدنيا تأتيه من كل حدب وصوب، وهو صابر محتسب حتى أذاقه الله حلاوة الصلاة فزالت عنه جميع تلك الخطرات، ولذلك الشاب الملتزم في أول التزامه تأتيه من الوساوس والخطرات مالا يعلمه إلا الله عز وجل، فإذا صبر وصابر واحتسب زالت عنه كما يزول الليل بضياء النهار، وفي بعض الأحيان تزول عنه في لحظة لا يشعر بها، وإذا بقلبه أكمل ما يكون انشراحاً وطاعة لله عز وجل.