هناك نوع ثالث من المحرمات في التجارة، فمن أسباب تحريم التجارة: الغرر.
الغرر باختصار -والكلام فيه يطول-: هو المخادعة، يقال: غره إذا خدعه، بمعنى أن البيع يتضمن شيئاً من المخاتلة التي يخدع فيها المشتري، مثلاً: يعطيه شيئاً يحتمل أن يقع ويحتمل ألا يقع، مثل: (سحب الأرقام)، يعطيه أرقاماً معينة، يقول له: اسحب منها رقماً، فإن كان رخيصاً فهو لك، وإن كان غالياً فهو لك.
لكن الإسلام يقول: هذا البيع محرم؛ لأن الإنسان قد يدفع ماله، ويظن أنه يحصل على الغالي، فإذا به قد حصل على الرخيص؛ فيندم ويتألم ويغبن في حقه، ويكون ذريعة لأكل الأموال بالباطل، والشريعة تريد من المشتري إذا جاء يشتري ومن البائع إذا جاء يبيع أن كلاً منهما يكون على بينة وعلم، لا تريد الغش ولا تريد الخداع؛ لأن هذا يفسد القلوب.
ولذلك قال: إذا كان المبيع مجهولاً أو كان الثمن مجهولاً لا يصح البيع، مثلاً: قال له: بعني هذه السيارة.
قال: بعتك.
قال: بكم؟ قال: نتفق فيما بعد، فهذا لا يجوز، لابد أن يحدد بكم يكون البيع؛ لأنه ربما أخذتها منك على أننا نتفق، وقيمتها في ظني عشرة، فتقول: هي باثني عشر أو ثلاثة عشر أو أربعة عشر؛ فتتقطع أواصر الأخوة؛ وتحصل النزاعات والخلافات بين المتبايعين.
إذن: الشريعة لا تتدخل إلا إذا وجد الضرر أو وجد موجب الفساد.
وبيوع الغرر كثيرة جداً، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع الحصاة، فما معنى بيع الملابسة والمنابذة والحصاة؟ فمن صور بيع الملامسة: في الجاهلية لم يكن هناك أماكن، ورفوف لعرض البضائع وإنما كانوا يفرشون بضاعتهم على الأرض، فيأتي المشتري والبائع يعرض -مثلاً- ثوباً، ويريد المشتري أن يقلب الثوب، فيقول له البائع: لا تقلب الثوب، أبيعك على أن يقوم لمسك مقام نظرك، فحرم النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع من البيع؛ لأنه قد يكون العيب موجوداً داخل المبيع؛ فإذاً لا يريد الشرع أن يدفع المشتري شيئاً دون أن يكون على بينة من أمره.
فنخرج من هذا كله: إلى أن الشريعة حرمت البيع إذا كان هناك ضرر، أما إذا لم يكن هناك ضرر، ولم يكن هناك ما يوجب تحريم البيع؛ فالأصل حل البيع وجوازه.