الوقفة الثالثة: لابد للداعية إلى الله أن يوطن نفسه من بداية دعوته على العمل، فالدعوة إذا كانت نابعة من إنسان ذاق حلاوة العمل بالعلم، وذاق لذة المعاملة مع الله، أمكنه إذا ذكّر الناس ووعظهم أن يذكرهم بشيءٍ ذاق حلاوته ولذته، أما فاقد الشيء لا يعطيه.
الداعية إلى الله الذي قرن علمه بالعمل يضع الله له البركة في قوله وعمله، فإن الناس تنظر إلى قول كل قائل وعمله، فإذا وافق القول العمل أحبه الناس وتأثروا بكلامه إذا وقف أمام الناس يحدثهم ويعظهم وضع الله عز وجل لمواعظه أثراً نافعاً في قلوب الخلق فوق ما يرجو ويؤمل.
إذا تحدث عن الإخلاص لله كان أخلصهم لله، وإذا تحدث عن الطاعات والقربات كان أسبقهم إليها، وأحبهم لها، وأكثرهم مداومةً عليها، وفاقد الشيء لا يعطيه، ولذلك عاتب الله من قبلنا، أنهم حملوا التوراة ثم لم يحملوها فكانوا كمثل الحمار يحمل أسفاراً، فمقتهم الله جل جلاله حينما قالوا بما لم يعملوا.
قال بعض السلف: (كونوا دعاةً وأنتم صامتون، قالوا: وكيف ندعو ونحن صامتون؟ قال: ادعوا الناس بأخلاقكم وأقوالكم وأعمالكم قبل أن تدعوهم بتذكيركم).
فالذي يدعو الناس بأخلاقه وأقواله وآدابه وشمائله؛ تتأثر الناس بدعوته، ولن يكون ذلك إلا بالعمل، لن يكون ذلك إلا إذا رأى الناس آثار السنة وأخلاق الإسلام في الداعية إلى الله، سواءً كان خطيباً أو واعظاً أو مذكراً أو معلماً، ونسأل الله العظيم أن يوفقنا إلى القول والعمل، فإنها من أعظم نعم الله عز وجل على عبده، حتى قال بعض العلماء: لن يكون العبد هادياً مهدياً إلا إذا قرن العلم بالعمل.