الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى جميع أصحابه الغر الميامين، وعلى من اهتدى بهديهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الأحبة في الله! أيُ شيءٍ أعظم وأجل وأكرم من رضوان الله على عبده؟ هذا الرضوان الذي شهد الله جل جلاله أنه أكبر من كل شيء، فقال سبحانه: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:72] وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا: (أن أهل الجنة إذا نزلوا في منازل الجنة، ورأوا نعيمها، وذاقوا لذتها وسرورها، وقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، إن ربنا لغفورٌ شكور، قال الله جل وعلا: ألا أزيدكم؟ فيقولون: ربنا أعطيتنا وأعطيتنا، فيقول الله جل جلاله: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً).
إذا رضي الله على عبده أرضاه وسدده ووفقه، وجعل السعادة بين عينيه، ولذلك كتب الله لأوليائه بسعادة الدنيا والآخرة.
وأحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه -سبحانه- من تمسك بدينه والتزم بشريعته، الذي أحب الله من كل قلبه وظهرت آثار هذه المحبة في جوارحه.
أسعد الناس بالله، من عرف الله؛ فهابه واتقاه، والتزم حدوده جل في علاه، ولقد اصطفى الله جل وعلا لهذه السعادة أحب الخلق إليه، وأكرمهم عليه، وهم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
اصطفى الله الأنبياء والرسل، فجعل من دلائل حبه لهم أن حمّلهم الأمانة، وقلّدهم المسئولية، فجعلهم أمناء على وحيه ودينه: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165].
لقد حمل رسل الله أمانة الله إلى عباده، على نورٍ من الله، يرجون رحمته، فأدوا رسالته، وبلغوا أمانته، وقرت عيونهم برضوان الله عليهم، ثم اصطفى الله جل جلاله لختم هذه الصفوة -خير خلقه وأفضل رسله وأكرمهم عنده سبحانه- نبينا صلى الله عليه وسلم.
اختاره الله جل جلاله خاتماً للأنبياء والمرسلين، وهدىً لعباده المتقين، ما ترك باب خيرٍ إلا دلنا عليه، ولا سبيل رشدٍ إلا هدانا إليه، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشف -بإذن الله- عن العباد الغمة، ووقف أمام الأمة يوم حجة الوداع، فأشهد الله من فوق سبع سماوات أنه بلغ رسالته، وأدى أمانته، ورجع إلى طيبة الطيبة، ففاضت روحه ولقي الله جل جلاله، حمل هذه الأمانة من بعده الصحابة الكرام، الأئمة الأعلام، الذين هم القدوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حملوا هموم الدعوة، هموم الدعوة إلى الله، وتبليغ رسالة الله جل جلاله، وأحس كل صحابي أنه مسئولٌ أمام الله عما سمعته أذنه وأبصرته عيناه ووعاه قلبه، فنشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السنن والآثار، وحدثوا بالسيرة والأخبار، ففتح الله بها قلوباً غلفاً وأذانٌ صماً وأعيناً عمياً، وقادوا إلى صراطٍ مستقيم.
حمل الصحابة رضوان الله عليهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة، وبلغوا الرسالة، فكانوا خير قدوةٍ بعد النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله.
كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم -في علمه وحلمه وعمله ودعوته- هم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وما زالت الأمة تحمل هذه الأمانة وهذه المسئولية، جيلاً بعد جيل، ورعيلاً بعد رعيل، ووقفنا -أيها الأحبة في الله- في هذا الزمان، بعد أن مضت قرونٌ عديدة وأزمنةٌ مديدة بيننا وبين رسول الأمة صلى الله عليه وسلم.
وقفنا أمام هذه الشريعة الغراء، بعد أن ذاق من شاء الله رحمته، ذاق لذة الهداية وطعم العبودية لله والولاية، فأخذ يتساءل: كيف أبث هذا الخير، وأدعو الناس إلى الإحسان والبر، فما من مسلم يهديه الله إلى صراطه المستقيم ويذوق لذة هذا الدين إلا تمنى أن الأمة كلها تشاركه في هذا الخير الكثير من ذاق حلاوة الإيمان ولذة العبودية للرحمن تمنى أن هذه الأمة كلها تشاركه هذا الخير، ولذلك يرد
Q كيف السبيل؟ ما هو الطريق الأمثل للدعوة إلى الله وتبليغ رسالته؟