الحاجة إلى الأخوة في الله

كل منا مأمور أن يكون أخاً لأخيه صادقاً في أخوته ومحبته، وهذه الأخوة لها ثمرات طيبة ومن أعظمها وأجلها وأكرمها عند الله، حينما تكمل نقص أخيك وحينما تكون عوناً لأخيك على طاعة الله ومرضاة الله، كل منا والله ولو كان عالماً يحتاج إلى من يناصره، يحتاج إلى من يؤازره، يحتاج إلى من يكون قريباً منه يذكره بالله إذا نسي، ويعينه على ذكر الله إذا غفل، كلنا نحتاج إلى ذلك.

ووالله إني لمن أحوج الناس أن أجد أخاً صادقاً يذكرني بالله إذا نسيت، ويعينني على ذكر الله إذا غفلت، فمن منا الكامل؟! فلذلك من أجل نعم الله بعد الهداية وجود الإخوان الصادقين، كلنا سيعاشر أخاه ولكن والله شتان بين عبدين، عبدٌ إذا ذكر في المجالس قيل: نعم فلان والله.

نِعم الأخ ونِعم الأخوة، ونِعم الحبيب ونِعم المحبة، سيقال عنك ذلك إن كنت على كمال الأخوة في الله وإلا -والعياذ بالله- العكس بالعكس.

فكن رحمك الله ذلك الأخ الموفق ولن تكون كذلك إلا إذا ابتدأت من أسس أهمها: براءة الصدر للمسلمين.

صدرك لا تدخل فيه غلاً على مسلم وإياك أن تضع رأسك وتسلم روحك لربك وفي قلبك غل على مسلم، ووالله إن بعض الصالحين يأرق في ليلته ويتأخر نومه وهو يجاهد قلبه على إنسان أخطأ عليه حتى ينام وقلبه مرتاح، ويقول: إن خطأه لعله يقصد كذا وكذا، ولعله يقصد كذا وكذا، والله لو أن كل واحد حاول من الليلة أن يبيت سليم الصدر للمسلمين لوجد والله حلاوة الإيمان.

هذه الضغينة التي تدخلها في قلبك أو لا سمح الله يدخلها الإنسان في قلبه قد تطفئ نور الإيمان، وقد تحدث قسوة في القلب، وقد تحدث صدوداً وإعراضاً عن الرب، فقد يستهين الإنسان باحتقار مسلم، وقد يستهين الإنسان بازدراء مسلم وهو عند الله عظيم.

قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) فلا تستخف بالمسلمين، وإياك وسوء الظن بعباد الله المؤمنين، كن ذلك الرجل الذي إذا ذكرت مسلماً كأنك تذكر نفسك لنفسك؛ فإن الله تعالى يقول: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ} [النور:12] الله أكبر! نزل المؤمن منزلة النفس، فإذا أردت أن تعرف كمال إيمانك فانظر إذا ذكر أخوك بالغيب، إذا نزلت نفسك منزلته فاعلم أن الله أعطاك إيماناً، وإذا كان العكس فكان كلما ذكر للإنسان أخوه لم يأبه أن يذكر بسوء أو غير ذلك فليبكِ على نفسه، فإن الله وصف المؤمنين بهذه الصفة والله أعلم بخلقه من خلقه بأنفسهم، فهذه قضية مهمة وهي: سلامة الصدور وبراءتها من الإحن، وإياك ثم إياك أن تمسي وتصبح إلا وأنت نقي السريرة محسن الظن بالعباد، وإذا قيل لك فلان أو فلان فقل: أنا المخطئ، أنا الذي مني التقصير، أنا الذي أحتاج إلى من يسد ثغرتي ولمن يجبر كسري، وكذلك يكمل نقص العيب فيّ.

المؤمن دائماً يتهم نفسه؛ فالمؤمن في نفسه له شغل عن ذنوب العباد.

ولكن هناك أحوال خاصة قد يجب فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للمسلمين، فهذه مستثناة، كأن يكون إنسان على بعد عن طاعة ومنهج الله، يفسد بين عباد الله، أو إنسان حاد عن صراط الله المستقيم عقيدة أو سلوكاً أو خلقاً، فهذا له حكمه المستثنى، وإنما قضيتنا الأصلية وكلامنا في الأصل، وهو ما ينبغي أن يكون للمسلم الذي لم تثبت عليه شائبة تشوبه في دينه وخلقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015