أما الوصية الثالثة التي تعين على ترك مثل هذه الأمور: ترك الغفلة؛ فإن الإنسان إذا أخطأ وهو غافل عن خطئه؛ قل أن يتبصر بعيبه إلى أن يلقى الله جل وعلا، إذا رأيت الإنسان يخطئ وهو غافل عن عيوبه، غافل عن ذنوبه؛ فاعلم أنه مستدرج من الله، نسأل الله السلامة والعافية.
فلا ينبغي للشاب أن يغتر بحاله وسمته، وما يكون منه من بعض الصالحات، فلذلك ينبغي ألا يغفل عن الأخطاء والعيوب؛ دائماً يحاسب نفسه كما قال الحسن البصري رحمه الله: [لا يزال المؤمن يتهم نفسه يقول: ما أردت بهذا وجه الله] أي: إني لست مخلصاً، أو لست أريد به وجه الله خالصاً.
هكذا المؤمن دائماً يتفقد نفسه بالاحتقار الذي يدعوه إلى الكمال، أما إذا كان الاحتقار كما سبق في كلام الشيخ حفظه الله يدعو إلى النقص، كون الإنسان يحتقر نفسه ويمتنع من الكمالات لا، لكن احتقاراً يدعو إلى الكمال فنعم هذا الاحتقار، كون الإنسان يحتقر نفسه، ويتهم نفسه دائماً؛ لكي يسمو إلى معالي الأمور فهذا فضل، قال بعض السلف: والله ما جلست مجلساً وأرى نفسي أصغر القوم إلا خرجت وأنا أعلاهم، ولا دخلت مجلساً وأرى نفسي أني أعلاهم إلا خرجت وأنا أدناهم.
فالاحتقار للنفس نعمة كبيرة، قال مطرف بن عبد الله الشخير: [لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إليَّ من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً] فالذي ضرنا العجب، ننظر إلى من هو دوننا ولا ننظر إلى من هو فوقنا، فلا ينظر الإنسان إلى الشباب الذين ابتعدوا عن طاعة الله أصلحهم الله لكي يقول: أنا الشاب الصالح الذي أغشى حلق الذكر وأسمع الندوات والمحاضرات؛ ولكن يقول: أنا المذنب، أنا المقصر، أنا المسيء، أنا الخطاء، أنا الذي عندي الذنوب التي لا أعرف أحداً أكثر ذنباً مني، يتهم نفسه وهو في عداد الصالحين وإلا فقد يكون الكفار أكثر ذنوباً منا، ولذلك قال بعض السلف وهو واقف بعرفة: لو نادى منادٍ من الله: غُفر لأهل هذا الموقف إلا واحداً لعددت نفسي ذلك الرجل.
الإنسان إذا احتقر نفسه سما إلى الكمالات.