إذا علم فضل العلم، وأن الله اصطفى أهله واجتبى أهله، فينبغي أن يعلم أن الناس في هذه النعمة على مراتب: فمنهم مستكثر ومنهم مستقل، ومنهم ذلك العالِم الذي نزل إلى أعماق العلم وأخذ من المعين الصافي فلم يشبع من ري، وارتوى حتى نضحت أضلاعه مما روى محبة لله وطلباً لرحمة الله، ومنهم من هو أقل ودون ذلك وصدق الله إذ أشار إلى ذلك بقوله: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76].
لذلك -أحبتي في الله- إذا أراد الإنسان الخير وأراد السعادة والفلاح فليجند نفسه لكي يكون من العلماء والهداة والدعاة إلى الله، فالعلم إذا كان نعمة من الله فينبغي للإنسان أن يستكثر من هذه النعمة، وأن لا يستقل عطية الله فيها، وكل واحد منا إذا تعلم أي سنة وعلم أي حكم من الشرع فليعلم أنه طالب علم، وأن طلب العلم لا يقتصر على الجلوس في حلق العلماء فقط بمعنى: أن يكون الإنسان مداوماً مداومةً كاملة بل كل عالِم بقدر ما علم، وقد كان أصحاب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله عنهم أجمعين يجلسون مع النبي صلى الله عليه وسلم المجلس الواحد، ثم ينطلقون دعاة وهداة إلى الله، فلذلك كل واحد علم أي حكم أو أي سنة فليعلم أن الله شرفه بطلب العلم.