Q كثير من الإخوة صدروا أسئلتهم بقولهم: أنهم يحبونك في الله.
ما هو الحل، وما هو العلاج لقسوة القلوب التي تنتاب كثيراً من الناس، وكذلك قلة البكاء والخشية من الله، والتكاسل عن قيام الليل، والتهاون في الصلوات، وغيرها من الأمور والمعاصي التي تحدث من جرَّاء قسوة القلب، فما هي النصيحة؟ وما هو العلاج لذلك فضيلة الشيخ؟
صلى الله عليه وسلم باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فأحبك الله الذي أحببتني فيه، وأُشْهِد الله العظيم رب العرش الكريم أني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يجمعنا بكم بهذا الحب {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55].
أخي في الله: إن قسوة القلب بلاء وأي بلاء! وإذا قسا لعبد قلبُه فقد حِيل بينه وبين الله، فالقلب القاسي بعيدٌ من الله، والقلب القاسي محروم من رحمة الله، فمن وجد في قلبه قسوةً فليبكِ على ما ابتُلي به، وليطَّرِح بين يدي الله.
أما العلاج لقسوة القلوب: فتسألُ اللهَ مقلِّبَ القلوب أن يرزقك قلباً ليناً، وعيناً دامعة من خشيته، وقلباً رقيقاً لجلاله ومحبته، إذا ذُكِّر تذكَّر، وإذا بُصِّر تبصَّر، سَلِ اللهَ أن يعطيك، ونادِهِ، وناجِهِ يولِك، ولا يخيب ظنُّ عبدٍ صَدَقَ ظنُّه في الله بارِئِه.
أما الوصية الثانية: فأوصيك -أخي في الله- أن تبتعد عن الذنوب والمعاصي، فإن الذنب يطفئ نور الطاعة من القلوب، وإذا انطفأ نور الطاعة في القلب أظلم ذلك القلب، وتَحجَّر، واستحكمه الشيطان، فلا يستجيب بعدُ لداعي الرحمن.
أوصيك -أخي في الله- أن تفر من الله إلى الله.
أوصيك أن تتفقد المظالم التي بينك وبين بارئك، فلا بد من ذنب بينك وبين الله أوجب لك قسوة القلب، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44]، تفقَّد نفسك، وتفقَّد أهلك وزوجك، وتفقَّد أبناءك وبناتك، فلعل مظلمة حالت بين قلبك وبين الخشوع، ولعل مظلمة حالت بين عينك وبين الدموع.
ثم أقبل على الله بالتوبة النصوح إن وجدتَها، قال بعض السلف: أذنبتُ ذنباً فحُرِمْتُ قيام الليل ستة أشهر، فإذا كان هذا في ذنبٍ واحد يُحْرَم العبد المقام بين يدي الله، فحَرِيٌّ أن يُحْرَم التذكُّر والتدبُّر لآيات الله.
أما الوصية الثالثة: فخذ مِمَّا يرقِّق قلبك: خذ هذا القلب الغافل الساهي إلى منازل الأموات، واجعله يعيش بين أهلها، وذكِّره تلك المنازل.
وأكثر من تشييع الجنائز، فإن تشييعها يحيي -بإذن الله- موات القلوب، انظر إليه محمولاً وحيداً فريداً، وانظر إلى أبنائه وأقاربه، وعشيرته، وأحبابه، كلٌّ يكفكف دمعه، وكلٌّ يجفف -مما أصابه- جفنه، ومع هذا لا يغني له من الله شيئاً.
فإن لم ينكسر قلبك، فخذه إلى المرضى، وأقمه مع أهل البلاء، واسمع تلك الصيحات، والآهات، والآلام التي يعيشها أهل الأسقام، عِشْ مع المرضى حتى تعرف عافية الله ونعمة الله التي نعَّمك بها، ثم خذ من العلاج النبوي.
أَدْنِ اليتيمَ إليك، وامسح برأسه، وضمه إليك ثم أحسن إليه، وقربه، وواسِه، فإن ذلك مما يزيل قسوة القلوب؛ لأن الله يرضى على مَن أحسن، ومِن أعظم الإحسان: الإحسان إلى اليتيم.
ثم كذلك خذ من عبير السلف الصالح، وسِيَر الصالحين من عباد الله المؤمنين من الماضين، وأدعوك أن تعيش مع الأموات من أهل الصالحات والطيبات، وأدعوك -أخي- أن تقرأ سيرة السلف الصالح، فإنها ترقق القلوب لله جل جلاله.
وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحول بيننا وبين قسوة القلوب.
اللهم إنا نعوذ بك من قسوة القلب.
اللهم إنا نعوذ بك من قلب قاسٍ أمام ذكرك.
والله تعالى أعلم.