يا معاشر طلاب العلم، إن الله شرفكم بهذا العلم فزينوه وجملوه بالعمل: هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل فبركة هذا العلم وخيره أن ينتفع به صاحبه، وإذا أردت أن ترى العلم النافع فانظر إلى من ظهرت آثار العلم في وجهه ويده وأخلاقه وجميع فعاله، العلم كما أنه في الصدور يترجمه العبد الصالح بأقواله وأفعاله، حتى يكون من الأئمة الذين سمى الله في كتابه.
يحتاج العلم إلى عمل، ومن عمل بالعلم ورثه الله علم ما لم يعلم، جاء بعض التابعين إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وكان يسألها ويستفيد منها، فأكثر عليها المسائل فقالت له ذات ليلة: [يا بني! أكل ما سألتني عنه عملت به؟ فقال: يا أماه! وأخذ يشكو التقصير وقلة العمل، قالت: أي بني! لم تستكثر من حجج الله عليك؟]، العلم إذا قرن بالعمل كان خيراً وبركة على صاحبه، وهذا هو الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم ربه، وهو العلم النافع، واستعاذ بالله جل جلاله من أن يحرمه بركة هذا العلم ونفعه، وذلك بزوال العمل، فكان يقول صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من قلبٍ لا يخشع، ومن علمٍ لا ينفع، ومن دعاء لا يسمع).
فكان يستعيذ بالله عز وجل من علم لا ينفع، العلم النافع: هو الذي كسر قلب صاحبه لله جل جلاله، العلم النافع الذي يزيد الإنسان قرباً من الله سبحانه وتعالى، وحباً في الله سبحانه وتعالى، لا يتعلم قليلاً ولا كثيراً إلا ازداد من العمل والقرب من الله سبحانه وتعالى، هذا هو العلم النافع الذي جعله الله للقلوب كالغيث للأرض الطيبة، تجد آثاره على جميع جوارح الإنسان، ولذلك قال إبراهيم النخعي واصفاً أئمة السلف الأخيار، الصفوة الأبرار: كان الرجل منهم إذا طلب العلم ظهرت آثاره في وجهه وخشوعه وركوعه وصلاته وسمته.
كان العلم يراد للعمل، وعتب الله على بني إسرائيل حينما حُملّوا التوراة ولم يحملوها، وضرب لهم المثل كالحمار يحمل أسفاراً: {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5].
من حرم العمل بالعلم مقته الله جل جلاله، فكبر مقتاً عند الله أن يقول الإنسان ما لم يعمل.
فلذلك ينبغي أن يفكر كل واحدٍ منا في هذه الأحكام والمسائل، والسنن والشرائع التي شرفه الله بها فعلمها، كيف يعمل بها؟ ويحاول أن يظهر هذا العلم في أخلاقه وشمائله وآدابه، والناس لا تنتظر الكلام بمثل ما تنتظر العمل والتطبيق، فالمتكلمون كثير، والمخلصون قليل، والعاملون أقل، فينبغي للإنسان أن يقرن علمه بالعمل.
ومما يعين على العمل بهذا العلم: استشعار أن الله سائل العبد عن هذا العلم، ولذلك بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسأل العبد يوم القيامة، ولا تزول قدمه من موقفه بين يدي الله حتى يسأل عن علمه ماذا عمل به.
فمن الأمور التي ينبغي أن نتواصى بها جميعاً، أن نظهر هذا العلم في أقوالنا وأفعالنا وشمائلنا وأخلاقنا، فإذا ظهرت آثار العلم على عبد الله الصالح وفقه الله وسدده، وجعله محل القبول عند الخلق: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
من عمل بالعلم وضع الله له القبول، ووضع الله له المحبة، فأصبحت القلوب تقبل عليه، ووضع الله له الأثر في هذه القلوب، فأصبحت كلماته ومواعظه وجميع ما يكون منه من الدعوة إلى الله مؤثراً في القلوب، بفضل الله جل جلاله، الذي بيده القلوب يقلبها كيف يشاء سبحانه وتعالى.
العمل بالعلم يجعل الإنسان في انكسارٍ دائمٍ لله سبحانه وتعالى، ويجعله أيضاً في ربح من المتاجرة مع الله جل جلاله، وقد كان أئمة السلف أئمة في الأعمال، وأئمة في الأقوال، فجمعوا بين العلم والعمل، وكانت أخبارهم وأحوالهم وما يكون منهم مع الناس كافة، تدل على أثر هذا العلم في قلوبهم، فينبغي أن يحرص كل واحدٍ منا على العمل بالعلم.