دراسة هؤلاء المذعورين تبين أنهم بالفعل يحددون كثيراً مما يخشون منه؛ فإنهم لم تصب دراساتهم فقط على الظاهرة الإسلامية التي بدأت تنبعث في ديار الإسلام، بل ركزوا الحديث أيضاً عن الإسلام الذي بدأ يتسرب في ديار الغرب وأمريكا والاتحاد السوفيتي وكل مكان في غير موطنه الأصلي كما يمكن أن يسمى؛ وإن كان الإسلام لا موطن له، وإنما هو في كل العالم وفي كل الديار.
فإحدى الصحف السويدية تنشر مقالاً عنوانه: الإسلام يغزو أمريكا، وتقول: إن الإسلام بدأ ينتشر في الولايات المتحدة الأمريكية بسرعة مذهلة، وتقول الصحيفة: إن الأمريكيين -وبالأخص السود منهم- بدءوا يدخلون في الإسلام أفواجاً أفواجاً! كما يلتحق بهم أيضاً المهاجرون إلى أمريكا من شرق آسيا والشرق الأقصى.
وأضافت عن إحصائيات رسمية قدمها مركز إعلام الاتحاد المسيحي في بريطانيا: بأن معدل بناء المساجد في أمريكا هو مسجد واحد في كل أسبوع.
ولك أن تتخيل مدى الرعب الذي يمكن أن يستولي على أعداء الإسلام حينما تكون هذه الإحصائيات صادرة عن مراكز متخصصة من بينهم أنفسهم.
وحينما يقال: مسجد في كل أسبوع، ليس المقصود أن المساجد مثل هذه، وإنما قد تكون شقة صغيرة أو صالة صغيرة تشكل مسجداً؛ وهذا في حد ذاته يثير الرعب عندهم! أيضاً: ذكرت صحيفة إيطالية عن مندوب لها في القدس المحتلة أنباء ندوة عقدت في معهد في إسرائيل تحت عنوان: الاتحاد السوفيتي وجورباتشوف وإسرائيل واليهود، ونسبت إلى مدير وزارة الخارجية السابق القول: إن الإسلام عدو مشترك لإسرائيل والاتحاد السوفيتي.
وكيف يكون عدواً مشتركاً؟ في هذا إشارة إلى احتفاظ أعداد كبيرة من المسلمين تقدر بأكثر من خمسين مليون مسلم بعقيدتهم وإسلامهم، وبدء تحرك هذا الإيمان الكامن في قلوبهم؛ ليظهر بصورة جلية في بعض الظواهر التي اكتشفت أو التي ظهرت مؤخراً، كما نعلم من تداعي الأحداث وتتابعها.
يقول الكاتب: لأول مرة في تاريخ الاتحاد السوفيتي وإسرائيل يجدان عدواً مشتركاً هو الأصولية الإسلامية! وهذا قد يتحول إلى نقطة حاسمة في العلاقات بين البلدين.
وهذا الكلام كان قديماً، وأظن أن النقطة الحاسمة التي كان يتنبأ بها الكاتب قد حصلت كما هو معلوم.
وأيضاً في فرنسا أصبحت المقالات مكثفة بشكل عجيب حول الظاهرة الإسلامية في المجتمع الفرنسي.
ونعلم القصص البسيطة التي ذكرت، مثل: قصة الحجاب لبعض الفتيات المغربيات المسلمات في المدارس الفرنسية، ونعرف أيضاً قصصاً أخرى.
ونذكر هنا أن وزير الخارجية الفرنسي السابق أصدر أوامره إلى كبار موظفي الوزارة لإعداد تقرير عن فرنسا ذات الألف مسجد أو الألف مئذنة، على أن يحوي كافة التفاصيل عن تأثير الأصوليين الإسلاميين.
والمجلات في فرنسا الآن أغلب المقالات المنشورة عن الإسلام تنشر بعنوان: (فرنسا الألف مئذنة) أو (فرنسا الإسلام القادم) وأحد الكتاب ألف كتاباً كاملاً أسماه (فرنسا ضاحية الإسلام).
وإذا كنا نرى المجتمع الغربي الذي إلى الآن الزائر له لا يرى هذه الظاهرة بذلك الشكل، إلا أن التخوف يملأ القلوب، ويسيطر على العقول، ويفكر في المستقبل، ويحلل الظواهر تحليلاً دقيقاً يعيدها إلى أصولها ومبادئها التي تتحكم في مساراتها، وأعطي هذا التخوف عندهم حجماً كبيراً جداً أكثر مما نتصور نحن، بل ربما يظن البعض أن القوم عندهم مبالغات، وما في نظرهم إلا أنهم يتنبئون بما يرون أن الحقائق تؤدي إليه.
لذلك يقول جيل كيبل في كتابه: "فرنسا ضاحية الإسلام": إن هذه الانفجارة الكبرى في تأكيد الهوية الإسلامية خلال ما يقل عن العقدين الأخيرين تمثل مشكلة تواجه المجتمع الفرنسي لم يسبق له مواجهة مثيل لها من قبل.
أي: مطلقاً.
وهذا الأمر واضح في كثير من النصوص التي تبين لنا هذا المجال.