الحمد لله، لا إله غيره، ولا رب سواه، لا يضل من استهداه، ولا يخيب من رجاه، ولا يحرم من دعاه، من توكل عليه كفاه، ومن تعرض لرحمته أعطاه، له الحمد سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، حمداً نلقى به أجراً، ويمحو الله به عنا وزراً، ويجعله لنا عنده ذخراً.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، قائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، اللهم اشرح صدورنا، ونور قلوبنا، واهد عقولنا، ونور بصائرنا، وثبت أقدامنا، وأحسن ختامنا، واختم بالصالحات آجالنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته.
هذا الدرس رقمه (180)، ينعقد في يوم الجمعة السابع من شهر شعبان عام (1424هـ)، وعنوانه: الشباب بين المهاوي والمعالي.
وليس مقصودنا أن نتحدث عن الشباب وأهمية هذه الفترة العمرية، فقد سلف لنا حديث في مثل هذا، وإنما مرادنا هنا أن نوضح هذه المعاني البينية التي سنتعرض لذكر تعلق الشباب بها.
المهاوي: جمع هاوية ومهواه، وأصل الاستنباط اللغوي لهذه الكلمة من الفعل الثلاثي (هوى)، ومعناه كما قال أهل اللغة: هو أصل يدل على خلو وسقوط، فالشيء الذي فيه هواء هو خال فارغ، وإذا قلت: هوى الشيء فمعناه: سقط ولم يكن شيء يحجزه، بل كان هناك فراغ أدى إلى مثل هذا السقوط، وأصله الهواء بين الأرض والسماء، سمي كذلك لخلوه، وكل خال هواء كما قال جل وعلا: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:43] أي: خالية فارغة من الإيمان وتثبيته، وقال المفسرون في هذا المعنى: خالية من الفهم لا تعي شيئاً.
والهوة: هي الحفرة البعيدة القعر أي: الهاوية السحيقة التي فيها بعد وفراغ وخلو، من تعرض لها أو جاء إليها فإنه يسقط ويهوي.
والوهدة: هي الغامض من الأرض التي لا يتفطن إليها؛ لأنها أرض منخفضة ليست ظاهرة، فيقع الإنسان فيها وقد يتعثر.
ومن هنا نجد أن خلاصة معنى هذه المهاوي أن فيها معنى الخلو والفراغ، وأن فيها معنى الخفاء والغموض، وأن فيها -في آخر الأمر- معنى التردي والسقوط.
وأما المعالي فإنها واضحة في دلالتها من حيث اشتقاقها من الفعل الثلاثي (علو) وهو السمو والارتفاع، ومعنى ذلك: السمو إلى المعالي العظيمة والارتفاع إلى المهمات الجسيمة.
وهذا معناه أننا ندور في هذا الكلام حول الأمور والمطالب الشريفة السامية.
وقال الخليل: المعلاة: الكسب والشرف، والجمع المعالي، وفلان من علية الناس أي: من أهل الشرف، فكل هذه المعاني السامية ترتبط بذلك، ومعنى هذا أن بينهما تضاد، فنحن لا نريد المهاوي ولكن نريد المعالي، ونحذر من المهاوي ونرغب في المعالي، لا نريد لشبابنا أن يسقطوا بين الحفر، بل نريد لهم أن يسموا ويعلوا إلى القمر، لا نريد لهم أن يسقطوا في الأدناس، بل نريد لهم أن يرتقوا وأن يكونوا شامة بين الناس، لا نريد لهم أن يتلوثوا بالوحل والطين، بل نريد لهم أن يتجملوا بالعطر والطيب، نريد ألا يفقدوا الرعاية والحماية، ولكننا نريد أن يجدوا التشجيع والإعانة.