ليس فقط يفرغ الناس الأوقات ثم ينامون أو يغيرون، بل هم مستعدون أيضاً عملياً، فتجده أولاً: يفرغ الوقت للمراجعة والمذاكرة، والأب حريص في أن يواظب على مراقبة ابنه، وإذا احتاج إلى مدرس أحضر المدرس، وإذا لم يكف مدرس قد يحضر الثاني، وإذا ما كفى اثنان ممكن أن يسعى بكل وسيلة حتى يطمئن إلى أنه قد استعد أقصى أنواع الاستعداد، هل يحتاج إلى كتب مساعدة؟ يحضرها، هل يحتاج إلى أسئلة وإجابات؟ يوفرها، يذهب ويبحث عن أسئلة في الأعوام الماضية، هكذا يفعل الطلاب، يذهبون فيبحثون عن أسئلة العام الماضي والذي قبله، وكيف كانت إجاباتها وطريقة الاختبارات، كل ذلك استعداداً عملياً للاختبار.
لو تأملت أيضاً تجد أنه لا يكون في هذه الأوقات أعمال تخالف هذا الاستعداد مطلقاً، فأين الاستعداد لأمر الآخرة؟ هل راجعت الاختبارات السابقة؟ هل نظرت كيف يكون الاختبار؟ هل تأملت في مثل هذه الأمور التي تتعلق بأمر هو أعظم وأهم مما تهيأت له؟ لو جئت الآن وقلت للأب: الابن لا يصلي، قال: الهادي هو الله! ولو قلت: الابن لا يذاكر، فلم لا تقول: الذي يعينه على المذاكرة الله، وتتركه؟ لا، بل هناك تتفرغ له، إذا أراد أن يلتفت وقفت له بالمرصاد، وإذا لم يفهم أتيت له بالمدرس، وإذا ما نفع المدرس تفرغت بنفسك لتذاكر له أو تدرسه، وهنا الهادي هو الله؛ سبحان الله العظيم! لم اعتنيت بأن تهيئه لاختبار الدنيا، ولم تعتن بتربية ابنك واستعداده لاختبار الآخرة؟ توقظه للاختبار قبل الفجر إذا أراد، ونادراً أو نسبة لا تكاد تذكر أن طالباً ينام عن الاختبار ولا يحضر، لكن كم من الناس طلاباً ورجالاً ونساءً ينامون عن الفجر؟ أليس هذا اختباراً بسيطاً من اختبارات الله سبحانه وتعالى للعبد حتى يخرج من شهوات نفسه، ومحبة ما يميل إليه، إلى استجابته لأمر الله سبحانه وتعالى.
فالاهتمام للدنيا وإهمال الآخرة يعد من سوء التدبير، وفساد القياس؛ لأن مقتضى قياس الأولى: أنك إذا اعتنيت به في الدنيا فعنياتك به في أمر الآخرة ينبغي أن تكون أعظم.