الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، ولا شك أيها الإخوة الأحبة أن هناك صوراً محزنة، ومظاهر مؤسفة، وأحوالاً مخزية نراها في هذه الفترة من الصيف، ولقد تحدث إليّ رجل غيور ظل يتابع الاتصال وهو يركز على وجوه النقد التي تصاحب كثيراً من ممارسات الصيف، فآثرت أن يكون حديثنا الأول هو حديث الإيجاب، وحديث القواعد المؤسسة، وحديث الآيات البينة الواضحة، وحديث هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان النموذج الأمثل في اغتنام الأوقات، والذي كان مضرب المثل الحقيقي في حياة كل مسلم ومؤمن.
ولابد كذلك أن ننبه إلى هذه السلبيات تقع منا نحن، إما مباشرة، وإما بطرق غير مباشرة، وهذه مآسٍ كثيرة ومشكلات عديدة: أولها: مشكلات السهر والعبث: فأكثر الشباب والشابات بل وكثير من الأسر عندما يأتي هذا الصيف لا يذوقون النوم في ليله أبداً، ويسهرون الليل ينحرون أوقاته حتى الصباح، فإذا جاء الصباح قتلوه نوماً، وقتلوه كسلاً، وقتلوه سلبية! وهذا أمر ظاهر ومشاهد، ولو أردت أن تجرب فاتصل بأي بيت في صباح أي يوم فلن تجد لك مجيباً! ونرى ذلك بآثاره السلبية، فالشباب يصنعون التجمعات في الأماكن السكنية وفي أماكن المنتزهات، ويصنعون ما هو معلوم من الأذية والمعاكسات والمغازلات وغير ذلك من الأمور المعلومة، وتحصل مآسٍ أخرى في الأسواق والمنتزهات.
ولعلنا هنا نتوجه إلى النساء والفتيات؛ فإن كثرة الخروج المتأخر إلى ما بعد منتصف الليل في هذه الأماكن مع قصد في التميع والتكسر وعدم مراعاة أحكام الحجاب وآداب الحياء ومراعاة الواقع الاجتماعي والأسري والتربوي، فإن هذا يترتب عليه الكثير من المآسي، وترى اليوم الأسواق وهي تعج بروادها وكأنما كانوا في مجاعة فخرجوا يتطلبون قوتهم، أو كانوا قد عريت أجسامهم فخرجوا يشترون أكسية وأحذية أو نحو ذلك! ولا حرمة في التسوق، ولا غضاضة في قضاء الحوائج، لكنها بهذه الصورة والهيئة التي تكثر عند الناس حتى تكون كأنها جدول أعمال له في كل يوم ساعات أو له في كل أسبوع أيام هو الذي لا ينبغي؛ والحاجة تنقضي في أوقات يسيرة لمن كان يطلب حاجته ويعرفها دون هذا العبث والنزهة التي تتدثر بدثار التسوق ونحو ذلك.
وهناك مآسٍ أخرى في السياحة والأسفار، منها ما تصنعه كثير من النساء من نزع الحجاب مع أول درجات سلم الطائرة! وكأنما هناك مكان ليس فيه حكم لشرع الله، أو كأنما هناك مكان يخلو ويخرج عن علم الله المحيط الشامل، قال جل وعلا في وصف علمه وشموله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19].
وهذه صور كثيرة نحن مسئولون عنها، قد نكون من أهلها، وقد يكون بعض معارفنا أو جيراننا أو أقاربنا من أهلها، وقد يكون غيرهم من أهلها، ونحن نملك أن نقول كلمة ننصح بها، أو نقدم رسالة نذكر بها، وأن نحذر مما يستهدفنا، ونحن نمر في بلادنا وعلى مستوى أمتنا بأعظم هجمة شرسة تريد استئصال إسلامنا من جذوره، ونسخ تاريخنا من أصوله، وفوق ذلك كذلك نجد أننا نمر بأشد الظروف التي تكاد فيها أوضاع أمتنا في داخلها تموج بكثير من المتغيرات والاضطرابات، فهل يحسن بنا مع ذلك كله أن نبقى على غفلتنا، وأن نبقى على السر الأعظم في سبب بلائنا ونكباتنا ومصائبنا، والسبب الأساس في تسلط أعدائنا، وهو: مخالفتنا لأمر الله، وتنكبنا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41].
فالله الله في أبنائكم وبناتكم! والله الله في أوقاتكم وأيامكم ولياليكم وساعاتكم! والله الله في قلوبكم ونفوسكم، والله الله في الفرص العظيمة والأبواب المشرعة من الخير! لعل الله سبحانه وتعالى أن يعوضنا كثيراً مما فرطنا فيه، وأن يجعل هذه الأوقات المتاحة فرصة لننجز عملاً نخدم به أنفسنا، ونعلي به إيماننا، ونعظم به أجورنا، وننصر به أمتنا، ونقوي به مجتمعنا.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يجعلنا بكتابه مستمسكين، وبهدي نبيه صلى الله عليه وسلم مستعصمين، وعلى آثار الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح سائرين.
اللهم إنا نسألك أن تهدينا، وأن تهدي بنا، وأن تجعلنا هداة مهديين.
اللهم إنا نسألك أن تستخدم جوارحنا في طاعتك، وأن تسخرنا لنصرة دينك، وأن تجعلنا ستاراً لقدرك في نصر أمة الإسلام والمسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعلنا عباداً لك مخلصين، وجنداً في سبيلك مجاهدين، واجعلنا اللهم من ورثة جنة النعيم.
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، وخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واصرف عنا ما لا تحب ولا ترضى.
اللهم اغفر لنا ما مضى وما هو آتٍ، ووفقنا اللهم للصالحات، وجنبنا اللهم الشرور والسيئات يا رب الأرض والسماوات! اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.
اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في أرض فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم أفرغ في قلوبهم الصبر واليقين، وثبتهم في مواجهة المعتدين، واجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية.
اللهم عجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين؛ برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير، وتحثه عليه يا سميع الدعاء! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.