النقطة الثالثة هي: قضية الجهاد الإسلامي، فحينما تقوم الدولة الإسلامية هل ستأخذ بهذا النهج؟ وطبعاً الاستماتة كبيرة جداً في هذا الجانب، ولعل أهم النقاط التي ربما تلفت النظر في الكلام الأخير والمحادثات الأخيرة والتغيرات السياسية الأخيرة: التركيز على مبدأ الجهاد؛ حتى إن شامير في خطابه للافتتاح الرسمي في جلسة مدريد قال بالنص وبالحرف الواحد: عليكم- وهو يخاطب الوفود- أن تعملوا على إلغاء الجهاد.
وقضية الجهاد لا شك أنها أحد أهم مواطن الإرهاب الذي يخشى منه غير المسلمين؛ ولذلك وللأسف أيضاً نجد من مقالات الباحثين المذكورين وغيرهم هذه الصورة واضحة: يقول محمد عمارة: لا الحرب التي سميت بحروب الردة كانت دينية، ولا حرب علي مع خصومه كانت دينية؛ لأنها كانت حرباً في سبيل الأمر -أي: في سبيل الرئاسة والخلافة والإمامة- وهذه سلطة ذات طبيعة سياسية ومدنية، ومن ثم كانت الحرب لأجلها سياسية ومدنية.
إذاً: ليس هناك شيء اسمه أصلاً حرب دينية أو جهاد إسلامي عند هؤلاء.
ويقول أيضاً في كتاب (الإسلام والوحدة الوطنية): إنه طويت صفحة التاريخ الذي كان يقسم الناس إلى مؤمنين وكفار؛ طويت هذه الصفحة ليبسط مكانها صفحة الحضارة الحديثة التي تميز بين الأمم والشعوب على أساس من التحضر والخشونة والبداوة! والعشماوي ألف كتاباً كاملاً عن الإسلام السياسي جعل نصفه عن الجهاد في الإسلام، واستقرأ بعض الآيات، وخرج بقرارات أو بتصورات يريد أن يكرسها، فمن ذلك قوله: المعنى السليم للجهاد فسر خطأً من جانب بعض الفقهاء، وحرف عمداً من جانب بعض السلطات السياسية في التاريخ الإسلامي.
ونحن نعلم أنه ما من كتاب فقهي على أي مذهب من المذاهب إلا فيه باب من أبواب الجهاد وأحكامه، والفيء ووالغنيمة؛ لأنها نصوص قرآنية ثابتة.
ويقول: فسر خطأً من جانب بعض الفقهاء، وحرف عمداً من جانب بعض السلطات، فبعض الفقهاء الذين أثروا على العقل الإسلامي يقولون: إن الصلة بين الإسلام وغيره من الدول أو المجتمعات هي الحرب دائماً.
وطبعاً التقسيم الإسلامي للديار إلى: دار حرب ودار إسلام تقسيم فقهي مؤصل، له تفصيلاته وأحكام المتعاملين مع دار الإسلام، وديار الإسلام أيضاً لها أحكام تفصيلية في هذا الجانب.
ولذلك يقول: هؤلاء الفقهاء بينوا أن الصلة بين الإسلام وغيره هي الحرب دائماً، وأن السلم ليس إلا هدنةً مؤقتة ريثما يتهيأ المسلمون للحرب، وزاد البعض ثراها أنه من غير الجائز لإمام المسلمين أن يتعاقد على سلم دائم مع بلد من بلاد الحرب؛ لأن في مثل هذا السلم إلغاء لفريضة الجهاد، وهو كذلك.
وخلص إلى أن الجهاد هو وغيره إنما هو عبارة عن الصورة الدفاعية في بعض الأوقات، وإنما هو جهاد النفس! وبعد ذلك صور صورة تعبيرية جميلة يقول فيها: وبهذا يكون الجهاد أسلوباً كريماً، وباعثاً قوياً، ودافعاً سامياً للارتقاء بالذات والسمو بالنفس، والعلو بالروح حتى تعطي دون توقع للرد، وتبذل دون نظر إلى المقابل، كما أنه يكون تربية للمؤمن على أسلوب الدفاع عن النفس الذي يبدأ عندما يبدأ العدوان، وينتهي بنهايته، فلا يجنح إلى الابتداء بالعدوان، ولا ينحرف إلى الاستمرار كما تهوى النفوس عادةً ما لم تضبط بالمجاهدة الحقة، والمكابدة السليمة.
إذاً: هذه صور تبين لنا أن هذه المحاور الثلاثة هي موضع الدرس والتركيز؛ لأنها أحد أهم المعالم لهذا التخوف.