أول جانب هو جانب الإسلام السياسي: نجد التركيز من الكفار منصباً كثيراً جداً وبصورة واضحة على ألا يكون للإسلام دور في السياسة، وفي أي مجال يمكن أن يحتمل، إلا أن يكون له نظام أو مجال أو صلة في الناحية السياسية، ومن هنا نجد كثرة التذكير بهذه الظاهرة، ونحن لا نحلل ولا ننتقل إلى خطوة أخرى، فموضوعنا فقط هو في التخوف، ونريد أن نرى صورة هذا التخوف ظاهرة في هذه الجوانب الثلاثة؛ ولذلك يقول الدكتور كمال أبو المجد في حوار (لا مواجهة): الإسلام لم يفرض نظاماً سياسياً مفصلاً، والخلافة ليست نظاماً محدد المعالم، وكل النصوص التي سنوردها إنما تهدف إلى قضية واحدة، وهي: أن يُعرى الإسلام من ثوبه السياسي ونظامه المستمد من نصوص كثيرة، وتطبيقات عملية امتدت واستمرت زمناً ودهراً طويلاً.
وهناك أيضاً رأي آخر نرفضه كذلك، يرى أن للإسلام نظاماً في الحكم، مفصل المعالم، متميز القسمات أقامه النبي عليه الصلاة والسلام، وألزم المسلمين من بعده بإقامته، وأنهم أقاموه أيام الخلافة الراشدة قبل أن تتحول إلى ملك عضوض، وأن على المسلمين أن يرفضوا كل ما حولهم من أنظمة الحكم والسياسة، وأن ينحوها عن مقاعد السلطة والرئاسة؛ ليضعوا نظامهم الإسلامي على رأس دولتهم الجديدة.
وهذا المبدأ المرفوض يكرس في دراسات الغرب أو في دراسات أتباع الغرب ممن تأثروا بهم، أو نهجوا نهجهم؛ ولذلك نجد هذه القضية في كتابات كثيرة.
ومن ذلك أيضاً كلام للدكتور محمد خلف الله في كتاب (النص والحكم والاجتهاد في الإسلام) يقول: إن التاريخ الإسلامي يكشف لنا عن حقيقة أن نظام الخلافة ليس مصدره النص، وإنما مصدره الاجتهاد! ثم يقول: ونحن حين نقول: الاجتهاد في هذه القضية، إنما نعني: أن العقل البشري هو الواضع لنظام الخلافة، وهنا حقيقة لابد من لفت النظر إليها، وهي: أن ما كان من اجتهاد العقل البشري لا يكون ديناً، وإنما يكون تشريعاً مدنياً! وهذا نص لا يخفى ما فيه من تفريغ الإسلام من هذا المضمون المهم الذي هو أحد أول أخطر التفاعلات الحديثة بين المسلمين والصحوة الإسلامية في هذا العصر.
وأيضاً يؤكد هذا الكلام في نص آخر يقول فيه: نظام الحكم في الإسلام مصدره الاجتهاد وليس النص، وما جاء عن اجتهاد يمكن أن يستبدل به اجتهاد جديد يحقق المصلحة، والجماعات الدينية يجب أن تترك هذه القضية؛ لتكون محل اجتهاد جديد، إن الفكر السياسي في نظام الحكم فكر بشري خالص تستطيع المؤسسات العلمية من أمثال كليات العلوم السياسية أن تجتهد فيه، وليس من أمثال كليات الشرعية، ولا العلماء أن يخوضوا في مثل هذا المجال.
وأيضاً نجد أن الدكتور محمد عمارة في كتابه (المعتزلة وأصول الحكم) يقول عن الإسلام: له مفاهيم عليا، ومثل عليا، ثم للناس أن يحددوا ويشرعوا ويطوروا حياتهم وفق المصلحة بعد ذلك، فليس الحكم -ولاحظ هذه العبارة- والقضاء، وليست الإمامة والسياسة ديناً وشرعاً وبلاغاً يجب فيهما التأسي والاحتذاء بما في السنة من وقائع وتطبيقات! والتنبيه على هذا الجانب هنا إنما هو بشكل إجمالي.