واستمع إلى المدرسة الإيمانية وهي تسير عبر الزمان، وتنساب من أولئك النفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى من وراءهم من أجيال الأمة إلى يومنا هذا، لكننا نحتاج إلى التذكر والتدبر: كان ابن الجوزي رحمه الله فقيهاً عالماً، لكنه صاحب إيمان وقلب، كان كثير من حديثه ألصق بالقلب والإيمان منه بالعلم والحجة والبرهان، يقول رحمه الله: من تفكر في عواقب الدنيا أخذ الحذر، ومن أبصر الطريقة هدي للسفر.
ثم قال متعجباً، وأحسب أن عجبه سيطول لو كان قد أدرك زماننا: أعجب لأمرك يا من يوقن بأمر ثم ينساه، ويتحقق ضر حال ثم يغشاه: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37]، تغلبك نفسك على ما تظن، ولا تغلبها على ما تستيقن، أعجب العجائب: سرورك بغرورك، وسهوك في لهوك عما قد خبئ لك، أتغتر بصحتك، وتنسى دنو السقم، وتفرح بعافيتك غافلاً عن قرب الألم.
لقد أراك مصرع غيرك مصرعك، وأبدى مضجع سواك قبل البيات مضجعك، فأين عبرتك وأين عبرتك؟ وأين حياتك من غفلتك؟! أليس هذا مما نحتاج أن نتدبر فيه؟ وكان مكحول الشامي رحمه الله يقول في عبارة لها معنى القانون المطرد: إن أرق الناس في هذه الحياة قلوباً أقلهم ذنوباً.
أي: إن فتشت عن رقة قلبك فلم تجدها فاعرف السر في ذلك، وأما إن كنت لا تدرك ذلك، ولا تراه مشكلة، ولا تعتبرها معضلة؛ فكبر على نفسك أربعاً، فإنك في عداد الأموات، وكما قال ابن القيم رحمه الله: ابحث عن قلبك في ثلاثة مواضع: عند الموت، وعند تلاوة القرآن، وذكر ثالثاً: ثم قال: فإن لم تجده فابك على نفسك، فإنه لا قلب لك.