أولاً: اغتيال الورع والتدين: أيها المؤمنون! أيها المسلمون! يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم! يا من تستضيئون بضياء آيات القرآن، وتسترشدون بهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن أعظم ثروة تملكونها، وأغلى قيمة تنطوي في صدوركم وقلوبكم هو ذلك الإيمان الذي يشع بالتدين والخوف من الله، والمراقبة له، والحياء منه، والرغبة والشوق إليه، ذلكم المعنى العظيم الذي يتحقق به الورع.
ومن جميل ما في لغة العرب أنهم يقولون: إن الورع هو الكف عن المحارم والتحرر منها، وقال المناوي رحمه الله: الورع ترك ما يريبك، ونفي ما يعيبك، والأخذ بالأوثق، وحمل النفس على الأشق.
وقيل في معناه: تجنب الشبهات ومراقبة الخطرات.
وقيل: ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس.
وأجمع وأوجز ابن القيم فقال عن الورع: هو ترك ما يخشى ضرره في الآخرة.
يوم تعمر القلوب بالإيمان، وتصفو وتسمو وترتفع، فيكون أدنى محرم بل أيسر ما فيه شبهة، بل ربما ما فيه حل، تبتعد عنه طلباً للكمال، وسمواً إلى مرضاة الرحمن سبحانه وتعالى، فلا تجد إلا بصراً غاضاً عن الحرام، ولساناً كافاً عن الآثام، وجوارح متزينة بزينة التقوى، متحلية بحلية الإيمان.
ولذلك انظروا إلى كلام علمائنا وأئمتنا وهم يجلون لنا هذا المعنى العظيم في التدين والورع، فيقول الراغب: إنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: واجب وهو في ترك المحارم، ومندوب وهو في ترك الشبهات، وفضل وهو في ترك بعض المباحات، هذا التدين والورع والمراقبة التي نكاد اليوم نفقدها إلا من رحم الله.
استمعوا إلى حديث حذيفة بن اليمان وهو يروي عن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم كلمات من جوامع كلمه، يقول فيها عليه الصلاة والسلام: (خير دينك الورع) رواه البزار والطبراني والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
وكلكم يستمع ويذكر الحديث المشهور عن وابصة بن معبد رضي الله عنه، قال: (جئت أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإثم، فقال: جئت تسأل عن الإثم؟ قلت: يا رسول الله! ما جئت إلا لذلك، فقال: عليه الصلاة والسلام: البر ما انشرح له صدرك، والإثم ما حاك في صدرك وإن أفتاك عنه الناس) رواه الإمام أحمد وجود المنذري إسناده.
أي قلب هذا الذي نستفتيه اليوم وهو اليوم يكاد يفتي في المحرمات المقطوع بها بأنها حلال زلال، أصفى من الماء؟ وأي صدور تلك التي تضيق بالمنكرات، وقد أصبحت في كل حركة وسكنة، وفي كل لحظة وثانية، وفي كل مكان حتى في عقر البيوت؟