إذا عدم الحياء بأرض قوم فكبر أربعاً وقل السلام فإنه الموت الذي دونه كل صورة من صور الحياة الظاهرة، لكنها كما قال الله سبحانه وتعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]، إنما يعيشون في بهرج من الحياة، يأكلون يشربون يركبون السيارات يبنون المباني والعمارات يتزينون بالزينة؛ ولكنهم مجردون عن حلية الإيمان، وعن زينة الحياء، فيصبحون كأنهم أموات في صورة أحياء.
وما قيمة مجتمع تموت فيه الفضائل، وتقتل فيه الأخلاق، وتنعدم فيه الأذواق، وحينئذٍ لا يبقى هناك مقياس أبداً، تنعدم المقاييس فلا يصبح هناك شيء يسمى عيباً، ولا يعود هناك شيء يسمى مخالفة للأدب، ولا شيء يسمى مخالفة للذوق العام.
ولذلك نرى اليوم في الصحف والمجلات أموراً عجيبة، يختلفون في بعض الأفلام - هذه الأفلام الماجنة- هل تجيزها الرقابة أو لا تجيزها، والذي يختلفون عليه من الفظائع والكبائر، بل من أنكر المنكرات الذي لا يقرها عقل ولا دين ولا فطرة، ومع ذلك تجد النزاع والحوار على صفحات هذه المجلات بصورة مقززة تدل على انعدام الحياء، وهذه الصور -كما أشرت- تفسد كل شيء في حياة الناس، فهذا أثر هذا الإفساد العام.
وقد أخبر الله تعالى أنه جعل الحياة في الاستجابة لأمر الله ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]، حياة القلوب، حياة الأخلاق، حياة المبادئ، حياة النظافة، حياة الطهارة، حياة التعامل الرفيع، حياة الحضارة المؤدبة! كل ذلك لا يكون إلا بالإيمان وما في هذا الإيمان من خصال؛ ولذلك عندما سرت هذه المنكرات أصبح الأب لا يستحيي أن يشاهد في منزله أفلام الفيديو مع أبنائه وبناته، ويرون فيها المشاهد الفاضحة، لا يتغير وجهه ولا يتمعر، وحدث عندنا نوع من الانحلالية والإباحية التي تسري في المجتمع سرياناً خطيراً.
ولعل قائلاً يقول: قد بالغت وأكثرت، وقد هولت فيما صورت، ولكنني أقول: معظم النار من مستصغر الشرر وأول الغيث قطر ثم ينهمر وأكرر فأقول: إذا عدم الحياء بأرض قوم فكبر أربعاً وقل السلام.
الحياء الذي ذهب من صغارنا وكبارنا، ورجالنا ونسائنا، وتلاميذنا ومعلمينا، هذه الصورة تنذر بخطر عظيم، ولذلك نكرر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء خير كله)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
وكم رأينا من الأمور التي صنعت وفعلت عندما فقد الحياء! شيء يشيب لهوله الولدان! فاللهم إنا نسألك أن لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم زينا بزينة الإيمان، وحلنا بحلية الحياء، اللهم إنا نسألك إيماناً كاملاً، ويقيناً صادقاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وخلقاً فاضلاً، وعلماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وتوبة قبل الموت ومغفرة بعد الموت برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم مكن في مجتمعاتنا لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وأقم في الأمة علم الجهاد، اللهم من سعى في مجتمعنا بالفساد فاشغله بنفسه، واجعل دائرة السوء عليه، اللهم رد كيد أعدائنا في نحورهم، اللهم إنه من بني جلدتنا من يسعون لنشر الفساد، اللهم فقنا شرورهم، واجعل كيدهم في نحورهم، وأحبط مؤامراتهم، ودمر مخططاتهم، يا سميع الدعاء! اللهم إنا نسألك أن تحفظ علينا إيماننا، وأن تحفظ علينا إسلامنا، وأن تحفظ علينا أخلاقنا، وأن تحفظ علينا حياءنا، اللهم إنا نسألك أن تحفظنا بالإسلام قائمين، وأن تحفظنا بالإسلام قاعدين، وأن تحفظنا بالإسلام نائمين، اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، اللهم خذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب.
اللهم اجعلنا بكتابك مستمسكين، وعلى هدي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم سائرين، ولآثار أصحابه مقتفين، اللهم إنا نسألك التقى والهدى، والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك الطهارة الظاهرة والباطنة، اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل، وأن تجنبنا الفتنة والزلل، اللهم إنا نسألك أن تجنبنا سائر الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم عليك بسائر أعداء الدين، اللهم عليك بالطغاة والمتجبرين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين، اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، دمر قوتهم، واستأصل شأفتهم، ونكس رايتهم، اللهم أذل أعناقهم، وسود جباههم، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود قريباً، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم يا قوي يا عزيز، يا منتقم يا جبار، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم رحمتك بالفتية اليتامى، والنسوة الثكالى، اللهم رحمتك بالأطفال الرضع، والشيوخ الركع، اللهم رحمتك بعبادك المستضعفين، اللهم رحمتك بالمشردين والمعذبين، اللهم رحمتك بالمسلمين والمضطهدين، اللهم فك أسرهم وأطلق سراحهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، جياع فأطعمهم، خائفون فأمنهم، مشردون فسكنهم.
اللهم سكن لوعتهم، وامسح عبرتهم، وأقل عثرتهم، اللهم اجمعهم على الحق، اللهم ثبتهم على الإيمان، اللهم صبرهم على قضائك، اللهم واجعل لهم فرجاً قريباً، اللهم يا أرحم الراحمين من عدى واعتدى على عبادك المؤمنين فأرنا فيه عجائب قدرتك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تنصر إخواننا المجاهدين، اللهم ثبت خطوتهم، وسدد رميتهم، ووحد كلمتهم، وأعل رايتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا بالذكر منهم ذوي القدر العلي، والمقام الجلي: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.