الحقيقة الواعظة: أن الموعد الله، وأن المرد إلى الله، وأن الوقوف بين يدي الله ليس هناك من شفيع ولا حميم يطاع، ليس هناك مجال لشيء يخفى، ليس هناك جزء من المسئولية يستثنى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:24] على كل صغيرة وكبيرة، كل شاردة وواردة، كل سر وإعلان، كل خفي وظاهر بين يدي الله عز وجل مكشوف، فلا تخفى عليه خافية: {هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [يونس:30].
هنالك تختبر وتعلم كل نفس ما أسلفت من الأعمال والأقوال، كل ذلك مبسوط منشور: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9] كل ذلك ظاهر: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:10] حتى النوايا الخفية كلها جلية ظاهرة بين يدي الله سبحانه وتعالى.
فما أنا قائل وما أنت قائل؟! وما غيرنا من كل حي قائل في تلك المواقف العصيبة العظيمة؟ تدنو الشمس من رءوس الخلائق حتى تكون قدر ميل، فيعرقون فيبلغ عرق بعضهم إلى عقبيه، وبعضهم إلى ركبتيه، وبعضهم إلى حقويه، وبعضهم إلى كتفيه، وبعضهم يلجمه العرق إلجاماً، من لك بظل تستظل به ما لم يكن عمل صالح، من لك بمحام يدافع عنك {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]؟ ورد (أن النبي صلى الله عليه وسلم نام في حجر عائشة، فذكرت الآخرة فبكت، وجرى دمعها على خدها، وسقطت دمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ وقال: ما لك يا عائشة؟! قالت: ذكرت الآخرة، فسألت: هل تسألون عن أهليكم يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أما في ثلاثة مواقف فلا يسأل أحد عن أحد أبداً، وذكر عليه الصلاة والسلام: يوم توزن الموازين، ويوم توزع الكتب، ويوم يجوز الناس على الصراط).
تفكر أيها المؤمن في ذلك! رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر حبيبته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بذلك، فما الذي نملكه لكل أحد يخالف؟! لا نملك إلا هذه الحقيقة لعلها تقع في قلبه موقعاً، لعلها تحيي في نفسه مواتاً، لعلها تنير في فكره وفي مسيره طريقاً، لعلها تقوم معوجاً، وتكمل نقصاً، وتستدرك فائتاً، نسأل الله لنا ولأمة الإسلام الهداية والتقوى، والعودة إلى طريقه ومرضاته.