النقطة التاسعة: المواصلة والاستمرار، فإن الذي يظن أنه بعد جولة أو جولتين أو بعد كتاب أو كتابين أو شهر أو شهرين أو عام أو عامين أنه قد أتى على العلم كله أوله وآخره وفرغ منه، فإنه لم يفقه العلم ولم يعرف ما ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله: (منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا) والعالم ما يزال يغترف من العلم، فكلما اغترف جديداً علم أنه بافتقار شديد، ولذلك هناك ظاهرة موجودة وهي عدم المواصلة في طلب العلم، يبدأ الدرس في كتاب الفقه أو الحديث أو غيره بخمسين أو ستين طالباً ثم لا يلبث أن ينتهي بخمسة أو ستة طلاب، وهذا يدل على أنه ليس هناك جلد ولا شغف، وهذا غالباً ما يكون سببه عدة أمور، منها: أمور إيمانية من عدم الإخلاص وعدم القصد لله عز وجل، ومنها كذلك: أمور علمية فهو لم يفقه العلم ولم يفقه أسبابه وطرائقه وتأهله، ومنها كذلك: عدم الإدراك للثمرة المرجوة من العلم، فإنه يكتفي بحضور الدرس؛ ليقول: حضرت الدرس الفلاني، أو يقرأ في الكتاب مرة واحدة على شيخ؛ ليقول: إنه من تلاميذ هذا الشيخ، بل ربما قد يتصل بالهاتف بالشيخ الفلاني ويسأله سؤالاً ثم يقول: أنا من تلاميذ ذلك الشيخ، أو يقول: قال شيخنا فلان.
سبحان الله! عندما تقرأ عن أهل العلم وملازمتهم تجد أمراً عجيباً، هذا ابن كثير رحمة الله عليه يلازم أبا الحجاج المزي ملازمة طويلة حتى تزوج ابنته، وبذلك يصبح بعد الزواج من أهل الدار وستكون الملازمة طويلة، وبعضهم لازموا شيوخهم لسنوات طوال، وأخذوا العلم وعصارته وخلاصته بالمجالسة والمواصلة، وكان بعضهم يحمل أوراقه وأدواته في كل وقت، فإذا تكلم الشيخ في سفر أو حضر دوّن عنه، وكتب ما يرى من الأحوال وما يسمع من الأقوال، أما هذا الانقطاع السريع والنفس الضيق لا شك أنه من الأمور التي ينبغي أن نتنبه لها.