وعندما نعرف هذه الآثار ينبغي أن ندرك أن العاطفة ينبغي أن يكون لها توجه أو تأثر بأمرين اثنين: العقل، ومن قبله الشرع، فلا بد أن نعرف أمر العاطفة بين الشرع والعقل.
إذاً: العاطفة لابد أن تكون مضبوطة بضابط الشرع، فلا حب لمجرد الشكل والمظهر واللون، أو لمجرد الألفة والميل، بل بموجب الأخوة الإيمانية وما سلف أن ذكرناه، والعقل كذلك قد يحتاج أن يحكم العاطفة؛ إذ العقل هو الذي يتلقى الشرع، ويقبل به، ويسلم له، ويكون أقدر على ترجيح المصلحة من العاطفة؛ ولذلك لابد أن تُحكم نزوات العواطف بنظرات العقول.
والعقل وحده لا يكون كافياً أيضاً في تفسير الأمور، وإذا أردنا أن نمثل فإننا نقول: للعقل القيادة، وللعاطفة الحيوية، فإنك لو تصورت قافلة فلابد أن يكون العقل هو قائدها، ولكن لابد له من حادٍ يحدو بها في الطريق؛ ليزيل عنها أثر عناء السفر، وليهيج عاطفتها نحو المسير، كما قال الشاعر: إذا نحن أدلجنا وكنت أمامنا كفى لمطايانا بذكراك حاديا فمثل هذا يهيج، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل أنجشه يحدو بالإبل، فإذا بها تتأثر بذلك الصوت الشجي، وتسرع وتتحرك، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام عندها خوفاً من تأثير ذلك الصوت: (رفقاً بالقوارير يا أنجشه!)، هذا كله يفيدنا أن الأمر متوزع؛ فعقل مستقل متجرد عن العاطفة نتيجته قسوة وغلظة وعاطفة منفلتةٌ عن ضابط العقل وخفة وطيش، وكأنما هي طفل صغير تعطيه الأعطية فيضحك، وتمنعه منها فيغضب، وقد تكون الأعطية فيها حتفه، وقد يكون في منعها مصلحته ونفعه، ولكنه لا يميز بعقله، ولذلك يغلب على الطفل أنه مندفع مع عاطفته ببراءة كاملة، وتغلب المرأة عاطفتها أيضاً في مواطن كثيرة، فلا يكون عقلها أحكم لتلك العاطفة ولا أضبط لها.
ولذلك في مسألة هذه العاطفة والعقل يقول ابن القيم رحمة الله عليه: إذا خرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة له.
يعني: إذا كان الجسم دولة، وهناك حكومة للدولة، وهناك انقلاب يقع بين العقل والعاطفة، فيقول: إذا خرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة له.
أي: عاد هو مستقلاً عن تأثر الهوى والعاطفة، أما إذا خضع العقل لسلطان الهوى والعاطفة فإنه يعود أسيراً لها، وتكون هي موجهة ومتحكمة في مساره، ولذلك تجد من يسمونه ويقولون عنه: إنسان عاطفي، أي: إنه ليس عنده إلا هذا القلب الذي يخفق محبة وميلاً وليناً إلى آخره، وليس عنده تلك القوة العقلية التي يبرز أثرها حتى تضبط مثل هذه الأمور.