الأمر الثالث: الرضا والقبول بما يأتي من المحبوب: فإنك إن أحببت الله سبحانه وتعالى رضيت بقضائه وقدرة، وإن أحببت الله عز وجل رضيت بأن تمتثل أمره، وأن تجتنب نهيه، وإن أحببت النبي صلى الله عليه وسلم قبلت منه كل هدي وإرشاد، وإن أحببت إخوانك المسلمين أفسحت لهم في قلبك، وأعطيتهم من خلاصة مهجتك ومشاعرك ولطفك ولينك وسماحتك ورزقك، وإذا تحقق ذلك قبلت منهم ورضيت منهم بما قد يقع من تقصير، وغضضت الطرف عن بعض هفواتهم، وتجازوت عن بعض ما نبا من كلماتهم وغير ذلك من الأمور.
واستمع إلى قصة يوسف عليه السلام عندما قال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:33] ولما كان السجن هو الذي يقيد الحرية ولا تقبل به النفس البشرية كان محبوباً عنده؛ لأن فيه العصمة عما حرم الله عز وجل؛ ولأن فيه المهرب من المعاصي إلى الطاعات ومن الخلطة الفاسدة إلى الخلوة الصالحة مع الله سبحانه وتعالى، فلما كان الأمر كذلك: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:33].
ونحن نسمع أيضاً في مجال الحب المعروف المشهور أن كل شيء في حبك يهون، وغير ذلك من العبارات التي نحفظها ونعرفها ويقولون له: قد أساء إليك، ويقول: كل إساءة منه مقبولة، قد أعرض عنك، فيقول: ذاك صد الإغراء لا صد الإعراض، وكلما قيل له أمر رضي به وأحسن له التبرير والتماس العذر، فأحرى بك أن تكون مشاعرك إيمانية إسلامية وترضى وتقبل على هذا الأساس المحبة والعاطفة وفق الضوابط الشرعية.