أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! بعد تعاظم الظلمة ينبثق الفجر، وبعد اشتداد العسر يأتي اليسر، وفي كل ملمة من الملمات ينزل فيض من الرحمات! ذلك ما ينبغي أن يستقر في نفوس المؤمنين، وأن يكون في قلوب المسلمين، وقد اشتد الخطب، وعظم الكرب، وتضاعف العدوان، وتعاظم الخذلان.
وننتقل لنأخذ الدرس الأعظم، والمدد الأكبر، من القدوة المثلى، في السيرة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ننتقل زماناً إلى يوم السبت والأحد الخامس عشر والسادس عشر من شهر شوال عام ثلاثة من الهجرة النبوية الشريفة، وننتقل في المكان إلى جوار مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإلى ظلال جبل أحد، وساحة المعركة التي قادها محمد صلى الله عليه وسلم.
وننتقل تحديداً إلى جانب الملمة وإلى الشق الثاني من المعركة يوم كانت الدائرة على المسلمين، واستدار خالد بن الوليد بقوة من الجيش، وأطبق المشركون على المسلمين من جانبيه، فاضطربت الصفوف، وطاشت بعض العقول، وشج وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، ودخلت حلقات المغفر في وجنتيه، وسال الدم على وجهه الشريف، وهو يقول: (كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم).
وصرع أسد الله وأسد رسوله، ومضى إلى الله شهيداً بحربة وحشي، وقطعت يدا مصعب بن عمير، واندق الرمح في صدره، وخر لوجهه صريعاً شهيداً، ومضى إلى الله سعد بن الربيع وعبد الله بن عمرو بن حرام وثلة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان الخطب عظيماً، والحدث جسيماً، والحزن ممضاً، والكرب في النفوس قد بلغ مبلغه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستعلي بإيمانه، ويظهر شجاعته، ويلتف حوله قلة قليلة من أهل الإيمان يفدونه بأرواحهم، يجعلون صدروهم وظهورهم دروعاً له، ويعظم الكرب، ويشتد الخطب، ثم ينجلي شيئاً ما غبار المعركة.