ثم لننظر إلى القدوات التي صارت تعلو هناك وترتفع، إنها ليست قدوات المغنين والمغنيات أو الراقصين والراقصات، أو اللاعبين واللاعبات، إنها قدوات الاستشهاديين والاستشهاديات، إنها قدوات يتحدث بها اليوم الصغير في سن السادسة والسابعة من عمره.
لقد أصبحت البطولة شغفاً عظيماً وأملاً كبيراً وروحاً تسري في الدماء والعروق، لقد صار القوم على غير ما نحن عليه في ترفنا وغفلتنا وانشغالنا بدنيانا واستسلامنا الضعيف الخانع لواقعنا، ورضوخنا وذلتنا لهينمة وهيمنة أعدائنا.
لقد كسروا الطوق البشري، وتعلقوا بالطوق الرباني؛ لقد نظروا إلى الحقائق في ضوء الإيمان فعرفوا أن الظواهر لا تغني شيئاً، وأن الحقائق وراء هذه الظواهر تكشف أن العاقبة للمتقين، وأن جندنا لهم الغالبون، وأن ذلك يُرى رأي العين لمن كان في قلبه يقين راسخ وإيمان صادق.
إنها كذلك تمر عبر إسلامية النظرة في كل أمر من الأمور، فليس هناك من الأسباب المادية ولا من الحقائق الدنيوية ما يمكن أن يفسر به شيء من ذلك، ولذلك هم يفسرونه بالمعاني الإيمانية والسنن الربانية، وذلك ما نراه في واقع ذلك التغيير.
ننظر إلى كثرة الناس في المساجد ودروس العلم ومسيرات البيارق في المسجد الأقصى، وعناية الناس بالعمل الخيري وتكاتفهم وتعاطفهم مع كل شهيد يستشهد كيف يخلف في أهله، فرغم شدة الظروف وقسوتها وعظمة الفقر وسعته، لقد تغيرت الصورة إلى صورة لن نقول إنها نموذجية؛ لكنها تحقق حداً من المعاني الإيمانية والإسلامية في صدق الإيمان وفي قوة اليقين، وفي التعلق بالله عز وجل والارتباط بمنهجه، وفي الاقتداء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تجددت عندنا معانٍ غائبة في واقع حياتنا من إيثار الآخرة على الدنيا ومن التضحية والفداء في ميادين المعارك والجهاد، وذلك أمر ينبغي الالتفات له.