لننظر في هذا المقام إلى الجانب الآخر، ولأبدأ ببعض الومضات من الحقائق القرآنية التي تكشف لنا صوراً أخرى غير ذلك الوهم المسيطر على قلوب الدنيويين، والمتاجرين من السياسيين، وعلى الغافلين الراكنيين إلى حياتهم.
قال الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، إنها شطر آية، ولكن حقيقتها ثابتة، فأين ما نراه اليوم لننتقل إلى أرض العزة والقوة والمقاومة والجهاد، في زمن فيه غلب على كثير من المسلمين الذلة والخنوع والخوف والاستسلام.
ولننظر لماذا حقق أهلنا إخواننا في فلسطين معادلة غريبة شاذة لا تفهم إلا بمقياس الإيمان، ومن أين جاءوا بهذه الشجاعة والقوة والبطولة؟ وكيف تسنى لهم هذا الثبات رغم قوة البطش وشدة العدوان وتوالي الجرائم، ومع ذلك يقفون برءوس مرفوعة وصدور مشرعة وأقدام ثابتة، وكلمات تعبر عن معاني القوة والعزة؟ إنها الآية القرآنية والسنة الربانية: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].
لقد وقع هناك تغير حقيقي يظهر في صور شتىً، بدءاً من الارتباط بالقرآن حفظاً لآياته وتلاوة لها وتدبراً لمعانيها، ومروراً بتربية المساجد التي تعلقت بها قلوب الشباب قبل الشيب والصغار قبل الكبار، وانتهاءً إلى التربية العظيمة للأمهات الفاضلات المربيات المجاهدات.
وقد سمعت خلال الأيام الماضية ورأيت مقابلات مع ما فيها من حزن وألم، لكن فيها عظمة واستعلاء: فهذه أم فلسطينة كان لها سبعة أبناء لم يعد عندها واحد منهم مطلقاً؛ فواحد منهم قتل شهيداً، وستة في الأسر، وهي تقول: بقيت مفردة، لكني لا أضعف ولا ألين، بل أفتخر وأعتز بهم.
ثم تلتفت إلينا وإلى الجميع لتقول: أين المسلمون؟ وأين العرب منا؟ بل تلتفت إلى من هو أدنى إليها وأقرب منها فتقول: أين المسئولون عنا في بحثهم عن معاناتنا ووقوفهم إلى جانبنا؟