ولنعرف العوائق في آخر كلمة في هذا المقام، إنها كما أوجزها ابن الجوزي رحمه الله بقوله: (رؤية الهوى العاجل، والتسويف بالتوبة، ورجاء الرحمة).
ورجاء الرحمة ليس فيه شيء، لكنه دون معرفة العقوبة، رؤية الهوى العاجل، أي: رؤية الشهوة واللذة بمشاعر الهوى والمحبة، فإنها تعمي البصر والبصيرة عن الأخطار والأضرار في تلك المعاصي.
إن الشهوة تدعو إلى ممارسة الفاحشة بالزنا عند من ينظر إليها بالهوى، فلا يراها إلا جمالاً مشرقاً، ولذة جميلة، وهوى ومحبة رائعة، لكنه ينسى حينئذٍ -وقد غشي على بصره- الأضرار النفسية والقلبية والشرعية والعقوبات، وكأنه لا يعرفها مع أنه يعرفها.
لذلك فإن رؤية الهوى العاجل خطر، فانظر في كل شهوة ولذة إلى ما وراءها، وإلى صورتها الحقيقية في دين الله عز وجل، بل وفي واقع حياة الإنسان وفطرته السوية.
ثم كذلك تسويف التوبة وتأخيرها، فإنه لو حضر العقل لحذر من آفات التأخير، فربما هجم الموت قبل التوبة.
وأخيراً بالنسبة لرجاء الرحمة فالمقصود به مع نسيان العقاب، والله جل وعلا قد بين أنه هو الغفور الرحيم، وأن عذابه هو العذاب الأليم، فالله الله ونحن في هذه الأيام المباركة، وبعد هذه الفريضة العظيمة، وهذا الموسم الجليل، وقرب انتهاء عام وابتداء عام أن نجدد النية والعزيمة، ونصدق الله عز وجل في أن نغير أحوالنا إلى الأفضل والأحسن، وأن نقوي عزائمنا وهممنا، وأن نعزم على ألا نستسلم لضعفنا وكسلنا، وأن نحيط أنفسنا وإيماننا بسياج منيع مباعدةً للمعاصي والمنكرات، والترفع والتورع عن الشبهات، بل وكثير من المباحات.
أسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يحفظ إيماننا ويزيده ويعظمه، وأن يرسخ يقيننا ويثبته، وأن يجعلنا من عباده الصالحين، وأن يوفقنا للطاعات، وأن يصرف عنا الشرور والسيئات.
اللهم إنا نسألك أن تأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وأن تلهمنا الرشد والصواب، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واهدنا اللهم لما اختلف فيه من الحق بإذنك، وأخرجنا اللهم من الظلمات إلى النور.
اللهم اجعل لنا من نور الإيمان ما يكشف الشبهات، واجعل لنا من محبة الطاعات ما يقوي العزائم والهمم، واجعل لنا اللهم من معرفة مغبة وأثر الذنوب ما يصرفنا ويبعدنا عنها يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم طهر قلوبنا، وزك نفوسنا، وهذب أخلاقنا، وحسن أقوالنا، وأخلص نياتنا، وأصلح أعمالنا، وضاعف أجورنا، وأمح أوزارنا، وارفع درجاتنا، وبلغنا اللهم فيما يرضيك آمالنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك المخلصين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين، اجعل لهم اللهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية، اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم استر بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه، واجعل عمله في رضاك، وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير، وتحثه عليه يا سميع الدعاء! عباد: الله صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].
وترضوا على الصحابة الكرام أصحاب الحضوة الرفيعة والمقام الجلي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعلى سائر الصحابة والتابعين.
اللهم صلِّ وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.