الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن التشدد والتشديد على النفس فيما ليس بمشروع يفوت كثيراً من الحقوق، ويحصل به اختلال عن التوازن، ولعلنا نضيف إلى ذلك أموراً تبين هذا في أصل سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما بينه العلماء في ضوء هذه السنة الشريفة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)، وفي رواية عند البخاري نصها: (يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى)، أي: لا يفر إذا لاقى العدو.
قال الطبري في شرح الحديث: إنما كان صوم داود من أفضل الصيام من أجل أنه مع صومه لا يضعف عن القيام بالأعمال التي هي أفضل من الصوم، وذلك لثبوته للحرب أمام أعداء الله عند التقاء الصفوف، وتركه الفرار هنالك والهرب، فمن أضعفه صوم النفل عن أداء شيء من فرائض الله عز وجل فغير جائز أن يصوم صومه ذلك، بل محظور عليه إذا كان يصوم تطوعاً ويضيع بسبب ذلك الصوم فرضاً أو واجباً، بل إذا ضيع بذلك الصوم المستحب والنفل ما هو أفضل منه من نفل الأعمال، فإن صومه مكروه غير محبوب، وإن كنا لا نؤثمه، هكذا قال رحمه الله.
وهذا يدلنا على أمر مهم: وهو النسبية، فإن ما يطيقه إنسان لا يطيقه غيره، وإن ما يطيقه إنسان في بعض أنواع العبادات قد لا يطيقها في غيره.
قد يطيق الصوم لكنه لا يطيق طول القيام، وقد يطيق طول القيام ولا يطيق أمر الصيام، فينبغي للإنسان أن ينظر ما لا تتأذى به نفسه من المشروع فيأخذ به، وأما ما يفضي إلى سآمته وانقطاعه أو تفريطه في حقوق أخرى فينبغي له أن يوازن، فلا يقدم على عمل بتوسع مع علمه أو يقينه بأنه يفرط في غيره.
وهذا أيضاً مما فقهه العلماء من صفة النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم).
قال الشاطبي في تعليقه على هذا الحديث: فانظر إلى ما كان من مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأحوال والظروف والأوقات، فربما في وقت ينشط لهذا، وربما في غيره ينشط لغيره، ولكن المهم هو ألا يتجاوز الحد المشروع بالتشديد على النفس بما يؤدي إلى انقطاعها أو سآمتها ومللها، وبما يؤدي إلى ترك المداومة على الأعمال.
نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بديننا، وأن يفقهنا في كتاب ربنا، وأن يلزمنا هدي نبينا صلى الله عليه وسلم.
اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا هداة مهتدين، اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير فاتنين ولا مفتونين، اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة، في الدين والدنيا والآخرة، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا يا سميع الدعاء! اللهم إنا نسألك لهذه الأمة أن تبرم لها أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء! اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد، اللهم يا أكرم الأكرمين! يا أرحم الراحمين! اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، واصرف اللهم عنا الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة.
اللهم وأصلح أئمة المسلمين وولاة أمورهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم ووفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في أرض فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم اربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، ووحد صفوفهم، واعل رايتهم، واجمع كلمتهم، وسدد رميتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، زلزل اللهم الأرض تحت أقدامهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر، وأنزل اللهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي! يا عزيز! يا متين! عباد الله! صلو وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].
وترضوا على الصحابة الكرام وخصوا منهم بالذكر ذو القدر العلي والمقام الجلي، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم صل وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
{وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].