والوسيلة الثانية: المعلم القدوة رسولنا صلى الله عليه وسلم: فهو الشارح المفسر للقرآن، وهو السورة الحية لتطبيق آداب وأحكام القرآن، إنه سيد الخلق أجمعين نبينا وحبيبنا رسول رب العالمين، قال عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21]، فنحن ندرك عظمة القرآن ولكن لا نعرف تطبيق أحكامه إلا إذا نظرنا إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتأملنا في أحاديثه وهديه العظيم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد مدحه رب العالمين فقال جل وعلا: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].
وهو الذي أنزل عليه القرآن، وهو الذي بين لنا كيف يحيا المسلم وتحيا أمة الإسلام بالقرآن، فكل الطرق إلى الله عز وجل مسدودة إلا من طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى).
إنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة، بل أعظم منة منَّ بها الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة هي بعثة محمد صلى الله عليه وسلم الرسول الخاتم الذي ختم الله به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين عليه الصلاة والسلام، وقد وصف صلى الله عليه وسلم رحمته بأمته وحرصه على هداية الخلق أجمعين بقوله: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، فجعلت الفراش والهوام يقعن فيها، وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار)، فهو صلى الله عليه وسلم الذي جاءنا بالهدي الأكمل، وهو القدوة عليه الصلاة والسلام، قال عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، وسعت رحمته العظيمة هذه الأمة الكريمة، وأفاض عليها عليه الصلاة والسلام من شفقته وعطفه، وبين لها -كما أخبر الصحابة- كل شيء يحتاجون إليه، فهذا سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول: (لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما طائر يقلب جناحية في السماء إلا ذكر لنا منه علماً).
وفي سنن أبي داود عن سلمان رضي الله عنه قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة) أي: حتى كيفية قضاء الحاجة، فقد عرفنا سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في يقظته ومنامه، وفي حربه وسلمه، وفي رضاه وغضبه عليه الصلاة والسلام، وعرفنا حاله مع أزواجه، وعرفنا حاله مع أصحابه، وعرفنا حاله مع أعدائه، وكل شيء جاء في هذه السيرة العطرة والسنة الشريفة المطهرة، ليكون ذلك هو التطبيق العملي لمنهج القرآن الكريم، قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي)، فما أعظم منة الله على هذه الأمة أن حفظ لها كتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، فهذا هو المنهج النظري وهذا هو التطبيق العملي.