وقفة أخيرة في هذا المقام الأول عن تاريخنا الذي كانت فيه كل الصور التي ينتقدها علينا أولئك المستغربون والمستشرقون، فلم تكن مجتمعات الإسلام في كثير من عصورها تشهد مثل هذا التحلل والتسيب، فقد كان هناك الزواج، وكان هناك التعدد والتسري، وكان هناك كثرة الأولاد وكثرة الإنجاب، ومع ذلك كانت هناك عمارة وحضارة ورقي وتقدم، وفاضت في عهد عمر بن عبد العزيز أموال الزكاة، حتى صرف منها على كل راغب في زواج ليتزوج، وصرف منها على كل كفيف ليجد قائداً له يصرف عليه من بيت مال المسلمين، فاض المال وصار يرجع من الأمصار إلى عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه دون أن يجدوا له من يستحقه! هذه هي التنمية الإنسانية الحقيقية، والعجب أن يكون أساس التنمية قتل أعظم أسبابها، إن أعظم أسباب التنمية هو الإنسان المفكر بعقله العامل بيده المتحرك المنتج، فعندما نهدف إلى قتل الإنسان وضعفه وتقليل عدده فلا شك أننا نضعف التنمية من أساسها، فعلى سبيل المثال: إذا كان عندك قدر من المال لا يكفي أسرتك، فما هو الحل؟ هل الحل أن تقتل بعض أولادك كما كان يفعل بعض الجاهليين أو أن توقف الإنجاب أم أن الحل غالباً ما يتفتق على أن بعض الأبناء يتحملون المسئولية قليلاً؟! نعم فيعمل هذا هنا، ويعمل هذا هناك إضافة إلى دراسته، فتتحرك الطاقة، وتنفتح أبواب العمل، ويزداد الإنتاج، ويحصل لنا من وراء ذلك أننا نطالب بعد ذلك بمزيد من الإنتاج البشري؛ لأن الوفرة المادية قد أصبحت في المستوى الذي يحتاج أو يمكن أن يستوعب أكثر عدد من السكان.
فالله أسأل أن يبعدنا عن هذه الفتن وعن هذه المحرمات، وأن يجنبنا هذه المزالق والمخاطر؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.