الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من أعظم التقوى اجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والمباعدة عن الحرام، والتوقي من الشبهات، ولعل هذه الخطايا ذات البلايا كثيرة ليست بهذه الفواحش، وليست في التدخين، وإنما كذلك في المخدرات وغيرها، ولسنا في هذا المقام بصدد الإحصاء والذكر لكل شيء، غير أني وقد ذكرت شيئاً عن هذا المرض الخطير قد يقول بعضكم: نحن بعيدون عنه، وفي منأى منه، لكني مرة أخرى أعود بكم إلى التذكير وإلى الإضافة في شأن التدخين، وما أدراك ما التدخين! لعلي أستطيع أن أقول: إن هذا الجمهور الكريم فيه نسبة قطعاً من المدخنين، ولتكن عشرة بالمائة أو عشرون أو أكثر أو أقل، أقول مرة أخرى: إن الإحصاءات قد أثبتت لنا أن قتلى التدخين أكثر، بل قد يصلون إلى ضعفي قتلى الإيدز، فإذا كنا ولابد نفكر وندرك ونحلل فإننا ندرك أن هذا الخطر أعظم، وأن أثره أكبر، وأن مصيبته وبليته أجلى وأظهر.
وتقول الدراسات: إن أعظم الأسباب التي ينتج بها الوفاة بعد قدر الله عز وجل من أسباب التدخين أمراض القلب والأوعية الدموية، ويليها مرض سرطان الرئة التي يتلفها ويحرقها التدخين حتى تصل بصاحبها إلى الوفاة، وأن الوفيات تراوحت الأعمار فيها ما بين الثلاثين من العمر إلى تسعة وستين، وأن هذه الأعداد في تزايد مستمر.
وأنتقل مرة أخرى إلى إحصاءات تخصنا في بلادنا لنقول: إن الإحصاءات وبموجب قراءات رسمية كانت في عام (1984م) تجعل المملكة ثالث دولة مستوردة للدخان في العالم كله، وأن الذي أنفق من الأموال والاستيراد في عام (1990م) على سبيل المثال كان متجاوزاً لمليار ريال، أي: ألف مليون من الريالات، وهنا للمقارنة البسيطة، نقول: إن مسئول الصحة عن مرض الإيدز أخبر: أن وزارة الصحة قد أنفقت أربعة وعشرين مليوناً في مسائل الإيدز وعلاجه وفحص الدم وغيره، وانظروا إلى ألف مليون في عام تسعين، ثم زادت في عام واحد وتسعين إلى ألف وأربعمائة مليون ريال، ثم هي في تزايد مستمر، حتى قدرت الإحصاءات في أعوام قريبة ماضية بأن الاستهلاك يصل إلى خمسة وعشرين مليار سيجارة.
وبحسابات عملها بعض الباحثين أثبتوا فيها أنه لو كان عدد السكان خمسة عشر مليوناً، وأن ثلثهم يدخنون، فإن نصيب كل واحد في العام خمسة آلاف سيجارة، وأن نصيبه في اليوم الواحد أربع عشرة سيجارة، وهذا معدل واقعي موجود، وأن النتيجة بعد ذلك وبعد كل إهدار هذه الأموال هي الأمراض الفتاكة والقاتلة، ثم يأتينا من بعد مدخنون أو غير مدخنين ويقولون: من قال إن الدخان محرم؟! فأمر يفتك بالصحة قطعاً، ويؤدي إلى الهلاك حتى الموت إثباتاً علمياً طبياً، ويتلف كل هذه الأموال، ويسبب ما يسبب من أضرار أخرى اجتماعية وغير اجتماعية، ثم بعد ذلك نقول: إنه حلال زلال، أو نقول: إنه مفيد ونافع، أو إنه يمكن أن يدل على الرجولة أو البطولة! ولو أردنا أن نكون واقعيين فلنسأل كل أب مدخن: هل ترضى أو تحب أو لا تمانع على الأقل أن يصبح أبناؤك مدخنين؟ لقال بصوت عال: كلا، ولرفض ذلك، فلو كان فيه خير أو كان فيه شيء من منفعة أفلا تحبه لأبنائك؟! وأعجب من المدخنين يعلمون كل ذلك ثم لا يمتنعون عن التدخين، ويدخلون إلى شهر رمضان ويصومونه كله، ويمتنعون في نهاره وإن طال عن التدخين، ثم يعودون إليه.
وقد لقيني في أول أيام العيد أحد المصلين، ولحقني إلى الباب وهو يقول: إنني مدخن منذ اثنين وأربعين عاماً، وأبشرك بأنني مع رمضان امتنعت عن التدخين، ويطلب الدعاء ألا يعود إليه، فتصوروا كم أنفق من الأموال في أعوامه الأربعين، ولو أنه ادخر هذا المال وأنفقه في سبيل الله أو أطعمه لعياله لكان له في ذلك خير وأجر أعظم وأكبر وأفضل.
ولا شك أننا -أيها الإخوة- نحتاج إلى نكون صرحاء في مثل هذا الأمر، ولعلنا ونحن في بيت من بيوت الله وفي يوم جمعة أغر أن ندعو الجميع من المدخنين في هذه اللحظة أن يعقدوا في أنفسهم العزم، وأن يقولوا في أنفسهم عهداً مع الله عز وجل أنهم في هذه اللحظة وعند خروجهم من هذه الجمعة سيقاطعون التدخين إلى الأبد؛ لأنهم يعلمون مضرته، ويعلمون ما ينفقونه ويهدرونه فيه من مال، وما يسببه لهم من إحراج اجتماعي، فنسأل الله عز وجل لهم أن يعينهم على ذلك، وأن نكبت أعداءنا بأن لا نستهلك هذه السموم التي يصدرونها لنا.
تقول الإحصاءات مؤخراً: إن أمريكا والعالم الغربي عموماً يقل فيه التدخين في الأعوام الأخيرة في كل عام (10%) وأنه يزداد في دول العرب والمسلمين، وكأننا نأخذ ما يتركونه، وهم يصنعون ونحن ندفع الأموال لحرق قلوبنا ورئانا، ولإهلاك صحتنا، نسأل الله عز وجل السلامة.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم جنبنا المحرمات، وباعد بيننا وبين السيئات، واغفر اللهم لنا ما مضى وما هو آت.
اللهم أعنا على ترك المنكرات، ومجانبة الشبهات يا رب الأرض والسماوات! اللهم وفقنا لطاعتك ومرضاتك، وخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب.
اللهم وفقنا للصالحات، واصرف عنا الشرور والسيئات، واغفر اللهم لنا ما مضى وما هو آت.
اللهم إنا نسألك صحة أبداننا، وسلامة قلوبنا، وبركة أوقاتنا، وصلاح وبر أبنائنا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، زلزل الأرض تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، وخذهم اللهم أخذ عزيز مقتدر.
اللهم نكس راياتهم، وأذل أعناقهم، وسود وجوههم، اللهم لا تبلغهم غاية، ولا ترفع لهم راية، واجعلهم اللهم لمن خلفهم آية.
اللهم إنا نسألك أن تهزمهم، وأن تنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا متين! عاجلاً غير آجل يا رب العالمين اللهم اشف فيهم صدور قوم مؤمنين، وأقر اللهم أعيننا بنصر الإسلام والمسلمين في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم ثبت إخواننا المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم وحد كلمتهم، وأعل رايتهم، وقو شوكتهم، وسدد رميتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك لطفك ورحمتك بإخواننا المضطهدين، والمعذبين والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، واجعل اللهم لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.