الأمر الثالث: الجدية والاهتمام.
إن من الصور السليبة في معاهدنا التعليمية اليوم أن اللامبالاة قد تقع من المعلمين والمعلمات، ولكنها أكثر في صفوف الطلبة والطالبات، فيسهرون ليلهم وينامون نهارهم، ويؤجلون دروسهم، ويحفظون من أسماء اللاعبين واللاعبات والفنانين والفنانات ومواقع الدورات والمباريات أكثر مما يحفظون من المناهج والمقررات.
إن صور ونسب الرسوب وتدني المستويات مع توفر الإمكانيات يدل على خسارة كبيرة وهدر عظيم للثروة القومية، فكيف نعلم مليوناً -على سبيل المثال من الطلاب- وفي آخر العام يكون القريب من نصفهم راسباً يعيد عاماً كاملاً ويستهلك مرة أخرى من المال والجهد مثل ذلك.
أليس هذا جديراً بأن نفكر فيه؟ ألسنا معنيين بأن نعالج الأمور المهمة التي سأشير إلى بعض منها أيضاً؟ أين هذه الجدية؟! أين نحن من منهج الإسلام الذي يريد منا أن نكون أقوياء؟! {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12]، {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:63] دين يدعو إلى المسابقة في الخيرات والمسارعة إليها {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133]، {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:21]، {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148]، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26].
دين يريد الهمم العالية والعزائم الماضية، دين جعل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يضربون المثل، فيرحل جابر بن عبد الله رضي الله عنه من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصر ليلقى صحابياً من الصحابة، يقول: جئت أسألك عن حديث لم يعد أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنت، ثم يروي له ذلك الحديث، فيرجع من وقته من مصر إلى المدينة.
إن أمر العلم وطلبه وتحصيله لا ينال بالنوم والكسل ومشاهدة المسلسلات ومتابعة الفضائيات واللعب بالإلكترونيات كما شاع وراج بين أبنائنا اليوم إلا من رحم الله، ومن هنا نريد أيضاً أمراً ثالثاً، وهو أمر الهمة العالية، فكثير من أبنائنا في صورة ربما تتضمن شيئاً من الطرفة لكنها محزنة.
ما هو شعار كثير من الطلاب؟! يقولون: نسأل الله القبول.
لا يعنون به ما نعنيه بالدعاء، وإنما القبول هو أدنى الدرجات فوق الرسوب، وأقل التقديرات أن ينجح بتقدير (مقبول) ويقولون: نسأل الله القبول.
أين المراتب العالية؟! وأين التنافس؟! وأين الذين سيخرجون متعلمين أو علماء أو مبتكرين أو مخترعين؟! إنهم أقل من القليل، والنسبة في ظروف وفي أحوال كثيرة تزداد سوءاً، وذلك ما ينبغي الالتفات إليه.