الحمد لله الرحيم الرحمن، علم القرآن، وخلق الإنسان، علمه البيان، أحمد سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، ويوافي فضله وإنعامه، ويقينا سخطه وعذابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، جعل العلم طريقاً إلى حياة القلوب، وزكاة النفوس، ورشد العقول، واستقامة الجوارح، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، المعلم الأمثل، والمرشد الأكمل، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].
أما بعد: فبين أيدينا وقفات مع أخطر المهمات، مهمة شرفها أن أعظم من حملها رسل الله وأنبياؤه، مهمة من معالم أهميتها وخطورتها أنها من أعظم أسباب القوة والحفظ للأمم، وتضييعها من أعظم أسباب الضياع والهوان للأمم.
إنه حين تبدأ الدراسة ينطلق الملايين من الطلاب والطالبات ومعهم عشرات ومئات الآلاف من المعلمين والمعلمات، وتدور الأيام وتتوالى وهذه المدارس والمعاهد والجامعات تعمل، ثم نرى ونسمع شكوى من ضعف الأخلاق، وانحلال الروابط الاجتماعية، ورقة الدين، وغلبة الهوى، بل نسمع كذلك شكوى من ضعف العلوم العصرية المدنية الحضارية، وتدني المستويات الطلابية، وكثرة المشكلات التعليمية، وتمضي هذه العجلة ولكنها في مثل هذا الوقت على وجه الخصوص تكتسب أهمية أكبر وخطورة أعظم، وتحتاج إلى جهود متكاتفة متكاملة، وإلى وقفات متبصرة متأنية.
تحتاج إلى قلوب غيورة محترقة، وإلى نفوس فتية قوية، وإلى عزائم ماضية عالية، وحتى ندرك ذلك نقف بعض الوقفات التي تكشف لنا عن كثير من هذه المهمات نحن أمة الإسلام، أمة العلم والتعليم، أمة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] أول ما نزل على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
نحن أمة: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] نحن أمة {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]، نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأمي الذي علم البشرية كلها.
نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي جعل التعليم وراثة للنبوة فقال عليه الصلاة والسلام: (العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)، نحن هذه الأمة، نحن أمة العلم والحضارة المادية المدنية، ونحن أمة العلم والتزكية النفسية القلبية، نحن الأمة الذين أخذت عنها الحضارات المعاصرة علوم المادة والتجربة، لكننا نسمع ما يسمى اليوم العالمي لمحو الأمية، وتأتينا الإحصاءات لتقول لنا: إن سبعين مليوناً من أمة العرب أميون لا يقرءون ولا يكتبون، وهذا العدد يعادل بحد أدنى الخمس، وقد يصل إلى قريب من الربع، ويأتي أيضاً تصريح للمسئول عن منظمة التربية والعلوم ليقول لنا: إن الأمية تزداد في جل الدول الإسلامية، وإنه لم تسجل زيادات في القضاء على الأمية إلا في ست دول إسلامية فحسب، وأن نحواً من (50%) يعدون في صفوف الأميين من حيث القراءة والكتابة، أو من حيث الاتصال بالتقنيات المعلوماتية المعاصرة.
أليست هذه المفارقات الكبيرة والأوضاع المحزنة في ظل عصر المعلومات والتقنيات والعلوم المتقدمة جديرة بأن تجعلنا نقف مع أنفسنا؟! إنني لا أدعو إلى وقوف وزارات التربية والتعليم والحكومات فحسب، بل أدعو إلى وقوفك أنت وأنا وتلك الأم في بيتها وابني وابنك.
لماذا تمضي الأيام، ولماذا تتدرج بالطلاب المراحل ثم يخرجون بعد سنوات وهم جهلة معممون أو مزينون بزينة وحلية ظاهرية، ولم يخلص العلم إلى قلوبهم، ولم تدخل التزكية إلى نفوسهم، ولم يصبح في عقولهم اتزان واعتدال، ولم نجد في سلوكهم استقامة ولا قوامة؟ لِمَ ذلك؟ لنقف هذه الوقفات المهمة.