الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن ما ذكرناه من ومضات هذه الآيات، وأنوار هذه الأحاديث، حري بنا أن نلتفت إليه ونعتني به، وأنا أعلم أن طبائع النفوس تريد الحديث العام الذي يوزع التهم والمسئوليات بعيداً عنها، فهذه مسئولية الأمراء، وتلك مسئولية العلماء، وكأنه ليس لنا في الأمر شأن، لكننا أيها الأحبة الكرام نريد أن نواجه أنفسنا، نريد أن نقول: ما الذي فعلناه نحن أولاً لنكون سبباً من أسباب هذه الأوضاع المزرية؟ وما الذي فعلناه أو الذي سنفعله لنكون سبباً من أسباب الإصلاح والتغيير بإذن الله عز وجل؟ ولعلي أنتقل بكم في ومضة سريعة لصورة مشرقة وضيئة؛ لنرى آثار تطبيق هذا.
إخواننا المرابطون المجاهدون في أرض الإسراء، لا نفتأ نذكرهم، ونفخر بهم، ونرى في مسيرتهم وسيرتهم أنموذجاً إيمانياً يحتذى، (استعينوا بالله)، فهل يستعينون بنا نحن معاشر العرب والمسلمين الذين تخلينا عنهم وبخلنا بأموالنا، وربما نسيناهم في دعواتنا؟! ما هي استعانتهم في وجه ذلك الظلم والعدوان والبطش والإرهاب الذي ليس له في دنيا الناس اليوم مثيل؟! إن استعانتهم بالله، ألم تسمعوا إلى الشيخ القعيد وهو يخاطبكم فيما أسلفت في الجمعة الماضية، ألا تسمعوه وهو يقول: نحن طلاب شهادة، نحن لا نريد هذه الدنيا الفانية، نحن رغبتنا وأملنا أن يقبلنا الله عز وجل في الشهداء.
ألستم ترون أنهم يواجهون قوة عظمى بكل المقاييس المادية، ومن ورائها القوة العظمى كما يسمونها، ثم ليس لهم إلا الاستعانة بالله، ثم صبر فريد عجيب، نسأل الله عز وجل أن يزيدهم منه وأن يعينهم.
ثم بعد ذلك صورة التقوى المشرقة في المساجد الممتلئة، والأيدي المتوضئة، والجباه الساجدة، والأرواح المستشهدة، ألسنا نرى صورة من ذلك؟ ألسنا نستمع إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك) وفي رواية أحمد في المسند: (أين هم يا رسول الله؟ قال: في الشام وفي أكناف بيت المقدس) ألسنا نرى أن المنهج يتجدد في كل مكان؟ يلتزم أهل الإيمان أمر الله عز وجل، ويلتجئون إليه، ويصبرون على ما قدر عليهم، ويتحلون بالتقوى، فتكون العاقبة قريباً لا بعيداً: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف:137].
كم هي المواقف في تاريخ أمتنا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وإلى الأزمنة المتأخرة! كيف فتح محمد الفاتح القسطنطينية التي أعيت المسلمين ثمانية قرون وهو شاب في الخامسة والعشرين من عمره، ارجعوا وقلبوا صفحات التاريخ، وانظروا إلى كل من فتح الله عليه وأعز به دينه، فسترون استعانة بالله، وصبراً وتقوى، وسترون تغيراً وتغييراً وإصلاحاً قبل أن يأتي النصر الذي يظهر في صورته المادية.
ما الذي فعله صلاح الدين وقد أسلفنا القول عنه؟ أليس قد منع الفساد والفسق والفجور وأغلق الخمارات؟ أليس قد أحيا العلم وأشاعه بإحياء المدارس وإنشائها في كل مكان؟ أليس قد عمل على الوحدة فضم بلاد اليمن إلى بلاد الحجاز إلى مصر لتكون دولة إسلامية واحدة في ذلك الوقت والزمان؟ أليس قبل ذلك كله كان عابداً تقياً، كان داعياً مخبتاً مخلصاً لله عز وجل؟ ألم يكن يجعل من يدعون الله عز وجل من أهل الجيش في كل كتيبة حتى جاء النصر من بعد؟! وأمتنا منصورة بإذن الله، وذلك وعد الله، ولكن الشرط لا بد أن يتحقق، نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً.
اللهم إنا نسألك التقى والهدى، والعفاف والغنى، اللهم استخدمنا في طاعتك، وسخرنا لنصرة دينك، واجعلنا ستاراً لقدرك في نصر الإسلام والمسلمين.
اللهم أنطق ألسنتنا بذكرك، وولع قلوبنا بحبك، واجعل أيدينا منفقة في سبيلك، وأقدامنا سائرة لطاعتك، وجباهنا ساجدة لعظمتك.
اللهم اجعلنا لك عابدين، اللهم واجعلنا عليك متوكلين، اللهم واجعلنا بك واثقين برحمتك وعزتك وقوتك يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم يا رب العالمين! يا ناصر المستضعفين! يا كاشف الضر! يا فارج الهم! نسألك اللهم أن تفرج همومنا وغمومنا، وأن تكشف عن أمتنا أحوال ضرها وشرها يا رب العالمين.
اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وذهاب قوتنا، وهواننا على الناس، إلى من تكلنا، إلى بعيد يتجهمنا، أم إلى عدو ملكته أمرنا! اللهم إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالي، ورحمتك وعافيتك أوسع لنا يا رب العالمين.
اللهم أيدنا بتأييدك، وانصرنا بقوتك وعزتك يا رب العالمين.
اللهم إنه لا حول ولا قوة لنا إلا بك، فأمدنا اللهم بحولك وقوتك يا رب العالمين.
اللهم لا نخيب وأنت رجاؤنا، ولا نضل وأنت هادينا، ولا نهزم وأنت ناصرنا يا رب العالمين يا أرحم الراحمين! اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم إنهم قد طغوا وتجبروا وتكبروا، اللهم إنهم قد أذلوا عبادك المؤمنين، وانتهكوا حرمات المسلمين، اللهم فأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، واجعلهم عبرة للمعتبرين، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تبلغهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم استأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، واجعل بأسهم بينهم، ورد كيدهم في نحرهم، واشغلهم بأنفسهم، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، وزلزل الأرض تحت أقدامهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر يا قوي يا عزيز يا متين، يا منتقم يا جبار، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وترضوا على الصحابة الكرام، وأخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.