إننا نتلو آيات من كلام الله عز وجل، إننا نتلو قرآناً حقائقه قاطعة يقينية، فإن كنتم في شك من كتاب ربكم ومن كلام خالقكم، ومن سنن بارئكم، فلا أمل ولا خير فيكم.
استمعوا إلى قول موسى عليه السلام: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128].
(قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ) وليست لفرعون، ولا لأمريكا ولا للشرق ولا للغرب.
(يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) كلمات واضحات! قد يقول بعض الناس: وماذا في هذا؟ وأي شيء سيغير هذا في الواقع؟ ليس في هذا مواجهة، وليس فيه مصادمة؟ نقول: هو منهج السنة الربانية، ابدأ بنفسك أولاً، حرر إيمانك، أخلص نيتك لله، اصدق في تعلقك بالله عز وجل، ما هي القوة التي تعتمد عليها؟ قوة الله! من هو الذي تلجأ إليه في السراء والضراء؟ أهو الله؟! من الذي تفضي إليه بهمك وغمك؛ هل هو الله أم ما زالت تتوزعك الأهواء؟! أم ما زالت أحوال أمتنا ودولنا تبحث عن سند هنا أو هناك، وتبحث عن قوة من هذا أو ذاك؟! (استعينوا بالله) أين هي الاستعانة بالله في واقع حياتنا اليومية البسيطة؟ عندما نمرض هل تتحقق استعانتنا بالله؟! عندما يُضَيَّق في رزقنا ويقتر علينا في عيشنا بقدر الله هل نستعين بالله؟ هل القلوب مملوءة بهذا اليقين: أن الأمر كله لله، وأن الخير والشر والضر والنفع إنما هو بيد الله؟! ألم نستمع لهذه الكلمات التي قالها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لغلام صغير كان معه: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)؟ أين اليقين الذي يرسخ في القلوب ليكون قوة لا تستطيع قوى الأرض كلها أن تقف في مواجهتها؟! {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف:128] قال السعدي في تفسيره: قال موسى لقومه موصياً لهم في هذه الحالة التي لا يقدرون فيها على دفع ولا مقاومة: استعينوا بالمقاومة الإلهية، والاستعانة الربانية، (استعينوا بالله) أي: اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم، ودفع ما يضركم، وثقوا بالله أنه سيتم أمركم، (واصبروا) أي: الزموا الصبر على ما يحل بكم منتظرين الفرج.
ونقل القاسمي في تفسيره عن بعضهم كلمات رائعة في الاستنباط في هذه الآية، قال: تدل على أنه عند الخوف من الظلمة يجد الفزع إلى الله سبحانه وتعالى، والاستعانة به، والصبر.
ولا مفزع إلا هذين: الانقطاع إلى الله تعالى بطلب المعونة في الدفع، واللطف في الصبر.