ثم انظر إلى غير ذلك من توسع وانتشار في الأعمال الخيرية المزعومة، والأعمال الإنسانية الجائرة في كثير من أحوالها في بلاد الغرب والشرق، وتضييق وحصار على الأعمال الخيرية والمؤسسات الإسلامية الإنسانية.
كان في أمريكا وحدها قبل نحو عامين مليون ونصف مليون جمعية ومؤسسة خيرية وإنسانية، وبلغ مجموع التبرعات في عام واحد مائة وواحداً وعشرين مليار دولار، ومعدل الجمعيات: جمعية لكل نحو ثلاثمائة وخمسين فرداً.
وفي دولة الكيان الصهيوني الغاصب نحواً من ثلاثين ألف جمعية خيرية -على حد قولهم وزعمهم- بمعدل جمعية لكل أقل من مائتين وخمسين فرداً، ثم الواجب المطلوب اليوم في كل بلاد الإسلام أن يضيق على العمل الخيري، وأن يخنق، وأن يحال بينه وبين أن يصل إلى المسلمين المضطهدين والمعذبين في شرق الأرض وغربها، وأن يكون الدرهم أو الدينار الذي يخرج لمساعدة من هدم بيته إرهاباً ينبغي على الجميع محاربته في الداخل والخارج.
ثم أيضاً: تحريض وتزوير في مناهج التعليم عند القوم في شرق الأرض وغربها، وصور مشوهة عن الإسلام والمسلمين، وافتراءات كاذبة على التاريخ والواقع والنصوص والشرائع كلها.
وأما في ديار المسلمين فالمطلوب هو التهذيب والتغيير في هذه المناهج حتى تصل إلى حذف الآيات من كتاب الله، أو محو الأحاديث من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا نحزن أحداً من أولئك القوم الذين يفيضون إنسانية ويرتقون في معاني الإنسانية ومراعاة حقوق الإنسان.
هل يا ترى نريد من ذكر هذه المفارقات وغيرها أن ندخل اليأس إلى القلوب؟ إننا نريد أن نسأل السؤال المهم: هل لنا في هذا دور؟ هل نحن مسئولون من قريب أو بعيد عن هذا؟ هل يمكن أن يكون لنا إسهام في تغيير الواقع، أم أن موقفنا قد يكون على أحد نوعين لا نريدهما ولا نسعى فيهما في غالب الأحوال: إما صراخ وجؤار وانفعال وحماس وأعمال طائشة واندفاعات غير صائبة، وإما يأس وقنوط ووضع اليد على الخد ننتظر أن لا يكون شيء إلا مزيداً من هذه الأحوال المؤسفة المحزنة.
أوضاع أمتنا الإسلامية عموماً والعربية خصوصاً -وخاصة في أحداث قمتها الأخيرة وما يدور حولها من الأحداث- تبرز لنا أن أكثر الدول تقدم المصلحة الذاتية على المصلحة العامة، وأنها في واقعها السياسي والعملي ذات تبعية وليست ذات استقلالية، وما فوق ذلك وبعده ومعه لا ترى حقائق الأمور، بل تمضي مع الأوهام.