الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الأخوة المؤمنون! أوصيكم بتقوى الله؛ فإنها أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، ولا شك أنكم من الناحية النظرية تعرفون ما تختارون، وأن الاختيار واضح، إلا أنني أحب أن أشير إلى نقاط مهمة: كثيرون في كل مرة وأزمة، وفي كل فتنة ومحنة، وفي كل كارثة وأحداث أليمة محزنة يأتون وملء صدورهم حماسة، وملء قلوبهم غيرة، وهم يسألون: ماذا نفعل؟ وكأن أحدهم يتصور أنه لا يمكن أن ينصر دينه أو أن يعين إخوانه إلا في صورة واحدة أو صور محدودة، فإن تعثرت لم يكن له طريق يقيم فيه دين الله، وينصر فيه دين الله عز وجل، ولست هنا سأعطي لكم وصفة أو طريقة، ولكني أنقلكم إلى مشهد مماثل من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يوم تحزب الأحزاب، واجتمعوا كما يجتمعون اليوم في أرض العراق، يوم صار الحصار واجتمعت القوى الرهيبة العظيمة، يوم أسلم نعيم بن مسعود في تلك الأزمة، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقول له: إني قد أسلمت، فمرني -يا رسول الله- ماذا أفعل؟ فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إنما أنت رجل منا فخذل عنهم ما استطعت)، وهي التي نقولها لكل أحد: إنما أنت من المسلمين فخذل عنهم ما استطعت، ولو باستقامتك وطاعتك، ولو بصلاتك ودعوتك، ولو بزكاتك ونفقتك، ولو بتربيتك ابنك وابنتك، ولو بكل سبيل وطريق، فإن كنت ذا غيرة وإيمان فلن تعدم الوصول إليها، وكما قلت من قبل: من يقول: ليس هناك شيء أفعله فإنه في الغالب لا يريد فعل شيء، وإلا فإن أي عمل يمكن أن تصنعه سيكون مفيداً نافعاً، فمثلاً: الذي يدخن ويحرق ماله وصحته ويقوي أعداءه أفليس حري به في مثل هذه الظروف العصيبة أن ينتصر على نفسه؛ فيقلع عن هذه الصفة الذميمة؟ أفليست هناك جهود تبذل في هذا، وهي من جهود نصر الأمة؟ ونحو ذلك من أمور كثيرة يضيق المقام عن ذكرها.