أنتقل إلى طائفة أخيرة أشير إليها إشارات؛ لأنها ليست محصورة في صور معينة، وإنما هي واسعة الطيف، منتظمة في كثير من البلاد والبقاع، وتشمل فئات غير قليلة من أهل الإيمان والإسلام والغيرة، إنهم علماء من الأمة يعلمون ويرشدون ويبينون ويوضحون ويقفون المواقف المشرفة، ويقومون بالأعمال العظيمة، دعاة غيورون، يذكرون الناس وينبهونهم ويحذرونهم من المخاطر والمزالق، ويتقدمونهم إلى الإصلاح وتغيير المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة واتباع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، متبعين قول الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]، إنهم مربون ومربيات من الأساتذة والأستاذات يقومون بتوجيه أبنائهم وتلقينهم مبادئ الإسلام، وتعريفهم بعزته، وتذكيرهم بلزوم اتباعه والاستمساك به، وآخرون من الآباء والأمهات يحسنون تربية أبنائهم، ويجعلون بيوتهم نوراً مشرقاً بآيات القرآن وموطناً لمواطن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعراض سيرته، وينشئون أبناءهم تنشئة على الخير والهدى والتقى والصلاح، وآخرون يلتزمون دين الله سبحانه وتعالى في لزوم المساجد والصلوات والدعوات والصدقات وكل الأعمال الصالحات، بل ويقومون بالأعمال والمشروعات الخيرية والدعوية والإصلاحية؛ ليتحقق بذلك بعض سنة الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، ويحققوا نداء الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:77]، ويتعرضون ليكونوا من طائفة محمودة في أمة الإسلام قال عز وجل عنها: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]، وليكونوا كذلك سبباً من أسباب دفع البلاء والنقمة الربانية، وليكونوا سبباً من أسباب تنزل نصر الله عز وجل، قال عز وجل: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، وقال سبحانه: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود:116].
تلك طوائف، وتلك مواقف؛ والحق أبلج بين، فاختر لنفسك؛ فإنك تعلم ما ينفعك في دنياك وما ترجو أجره وثوابه في أخراك.
أسأل الله عز وجل أن يبصرنا بعيوب أنفسنا، وأن يسلك بنا طريق الصلاح الرشاد والهدى والتقى، وأن يجعلنا لكتابه مستمسكين، ولهدي نبيه صلى الله عليه وسلم متبعين، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.