يقول ابن القيم رحمه الله في الصورة الثانية من التربية التي يكون فيها الآباء والأمهات قدوات في ارتكاب المحرمات، ونماذج في التفريط بالواجبات: أكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوهم كباراً.
وقال في سياق هذه المعاني: يا أبتي! إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً.
وهذه قضية مهمة؛ ولذلك نجد نوعاً من تربية الدلال والإغراق في موافقة ومسايرة الأبناء على ما يرغبون ويشتهون وهم في سن المراهقة أو الطفولة، وحولهم من البيئة ما يصرفهم عن الخير إلى الشر، وهذا يمد له في الغي مداً، هذا يعطيه ما يشاء في هذه الأبواب دون أن يلتفت إلى المخاطر والعواقب، فإذا به بعد ذلك يجني ابناً مدمناً للمخدرات، أو مقيماً على شرب المسكرات، أو والغاً في ارتكاب الجرائم والمحرمات؛ لأن هذه المقدمات أوصلت إلى تلك النهايات.
أما الأم فتجدها لا تلتزم الحجاب ولا تراعي الحياء ولا تعتني بالحشمة، ربما تشكو من بعد ذلك أن ابنتها قد وقعت في فاحشة، أو ألمت بجريمة من تلك الجرائم العظيمة، فتبكي وتصيح على الشرف المثلوم، والعرض المكلوم، والسمعة الضائعة، وما عرفت أنها كانت القائدة، وأنها كانت المرشدة الهادية إلى طريق الزيغ والانحراف، نسأل الله عز وجل السلامة.
وهذه المشكلات التي نراها في أسواقنا، أو نراها في شبابنا وفتياتنا في هذه الجوانب إنما هو غرس أولئك الآباء والأمهات، أو إضاعتهم لهم، فلا تحملوا مسئولية، ولا أدوا أمانة.